بصراحة .. القسم الثاني
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-12-2022 04:20 PM
واتابع حديثي عما جرى في الاردن، بالحديث عن العملية الارهابية، والمتمثلة باطلاق الرصاص على عناصر من مديرية شرطة معان، كانت قد ذهبت الى بلدة الحسينية لمعالجة بعض اعمال الشغب التي قامت بها مجموعة من المخربين والخارجين على القانون، كما ورد في بيان الامن العام. واثناء ان كانت عناصر من هذه القوة يعملون على ازالة العوائق من على الطريق، انطلقت عيارات نارية من منطقة زراعية مظلمة وفيها بعض الاشجار، مما ادى الى استشهاد نائب مدير شرطة معان، العميد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، بعد اصابته بعيار ناري في رأسه، واصابة كل من الملازم فيصل الدعجة، والعريف حمد السرحان بجراح. وقد حاول عناصر الامن المرافقين له إسعافه ونقله للمستشفى، الا انه كان قد توفي قبل ذلك. وقد جاء في بيان مديرية الامن العام، انها مستمرة في عملها لحفظ امن الوطن وحماية مواطنيه، وانها ستضرب بيد من حديد على كل من يحاول الاعتداء على الارواح والممتلكات العامة، وشددت على انها تكفل حماية حرية الرأي والتعبير السلمي عنه، الا انها لن تسمح للمجرمين والمخربين باستغلال هذه الظروف للمساس بحياة المواطنين وترويعهم.
وفي وسط اجواء الحزن والالم لاستشهاد العميد الدلابيح، واصابة رفاقه بجراح، وبدلاً من توجيه هذا الغضب نحو المخربين الذين قاموا بهذه العملية، فقد ذهب البعض الى التشكيك بها، والقول انها كانت مدبرة من الاجهزة الامنية، لتصبغ حركات الاحتجاج بصبغة الارهاب والتخريب تمهيدا للقضاء عليها باستخدام القوة. مع ان هذه الأجهزة لم تستخدم القوة مع الذين كانوا يقومون باعمال شغب وتخريب وقطع للطرقات على هامش الاعتصامات. وانما كانت تعمل على تفريقهم، وازالة العوائق التي كانوا يضعونها، بالرغم من ان ما كانوا يقومون به، هو خارج عن نطاق الاحتجاج والاعتصام السلمي الذي كفله الدستور.
ونتيجة لتوجيهات جلالة الملك، ومطالبة المواطنين وعلى رأسهم ذوي الفقيد، بسرعة الكشف عن المتسببين باستشهاده، فقد عملت الاجهزة الامنية على تحقيق ذلك. ونتيجة لتحقيقاتهم، فقد توفرت لديهم معلومات ان الرصاص انطلق من سكان احد المنازل في مدينة الحسينية، حيث تقيم عائلة معروف عنها تأييدها لتنظيم النصرة الارهابي، وان احد ابناءها كان قد قُتل في سورية قبل خمس سنوات، اثناء مشاركته في القتال بصفوفها، وان ابن آخر لها معتقل بتهمة الانضمام لهذا التنظيم منذ سنتين، وان هذه المجموعة الارهابية وفي يوم الخميس قبل الماضي، قامت بوضع معيقات على الشارع العام في بلدة الحسينية، واشعلت النيران في إطارات السيارات وبما يشبه الكمين لرجال الامن. وعند وصول القوة الامنية لازالة المعيقات، اطلقت عليها النيران من اسلحة اتوماتيكية، مما ادى الى استشهاد العميد الدلابيح واصابة زميليه. وبعد توفر هذه المعلومات التي تم جمعها من مسرح الجريمة. وفي صباح يوم الاثنين الماضي، تحركت قوة امنية الى ذلك الموقع لالقاء القبض على الاشخاص المشتبه بهم بارتكاب هذه الجريمة. وكانت القوة الامنية حريصة على القاء القبض عليهم احياء. وفور بدء المداهمة الامنية، قام احد الارهابيين باطلاق النار على القوة الامنية من سلاح اتوماتيكي، وتم تطبيق قواعد الاشتباك معه، والذي نتج عنها استشهاد كل من النقيب قاسم الرحاحلة، والملازم معتز النجادا، والعريف ابراهيم الشقارين، واصابة خمسة من افرادها بجروح مختلفة، ومصرع مطلق النيران بعد مطاردته بين البيوت المتواجدة هناك، والتي كان يتواجد بها نساء واطفال، وتدخل بعض المتواجدين لصالح هذا الارهابي، بهدف حمايته من القاء القبض عليه من قبل القوة الامنية. وهذا يفسر سبب ارتفاع عدد الاصابات في صفوفهم. كما تم اعتقال تسعة اشخاص كانوا متواجدين مع مطلق النار اثناء المداهمة، ومنهم اربعة من أشقائه، وثلاثة من ابناء احد اشقائه، واثنين آخرين. ولقد تم ضبط مجموعة من الاسلحة النارية الاوتوماتيكية، وكمية كبيرة من الذخيرة بحوزتهم. كما ثبت بالادلة المخبرية ان السلاح الذي كان يحمله الارهابي القتيل، هو نفسه الذي استخدم في اغتيال الشهيد الدلابيح. وان جميع التحقيقات والادلة الجرمية، ونتائج العينات الملتقطة من مسرح الجريمة اكدت على ان هذا الارهابي هو من كان قد اطلق النار على العميد عبد الرزاق الدلابيح. ليعم الحزن والالم على من انضموا الى قوافل شهداء الاردن من اجهزتنا الامنية، الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن والمواطن الاردني. الا انه ومرة اخرى وبدلا من الاشادة بالاجهزة الامنية وعناصرها الذين نذروا انفسهم للوطن، وقدموا ارواحهم فداء له، عادت بعض الاصوات لتشكك فيما حصل. والقول ان الهدف هو شيطنة الاعتصام ومن فيه. كما انطلقت موجة من التسجيلات والفيديوهات، التي اخذت تكيل التهم للاجهزة الامنية بعدم الحرفية في عملياتها، متجاهلين مدى خطورة التعامل مع مثل هذه الحالات، حيث يواجه رجال الامن اشخاصا لا يترددون في اطلاق الرصاص، ولا يترددون في قتل رجال الامن، ولا يمانعون بأن يقتلوا هم، نتيجة مسح ادمغتهم. حيث اصبحوا يعتقدون ان هذه هي وسيلتهم لنيل الشهادة، والاقامة في الجنة مع الحور العين، فيم هم الى جهنم وبأس المصير ان شاء الله، والذين دائماً ما يختبؤن بين الموطنين أثناء ممارسة ارهابهم على رجال الامن.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فقد ظهر من يدافع عن الارهابيين، كونهم من تنظيم النصرة، والتي يعتبرها البعض انها غير ارهابية ولا تكفيرية، وانما حركة جهادية. وربما هذا البعض يعتبر ان قتل عناصر الاجهزة الامنية هو نوع من الجهاد. وذهب آخرون لاعتبار الحكومة مسؤولة عن استشهاد عناصر الامن، كونها لم تستجب لمطالب المعتصمين، او انه تم افتعال هذه الحادثة لإيجاد مبرر لقمع المعتصمين السلميين. فيم ثبت عدم صحة هذا الادعاء، حيث لم توجه تهمة الارهاب للمعتصمين، ولم يتم استخدم العنف ضدهم. وكان وصف الارهابين والمخربين التكفيريين محصوراً بتلك الفئته الباغية التي اغتالت عناصر الامن.
صحيح انه جرت بعض التوقيفات لمن شاركوا باعمال الفوضى والتدمير والاعتداء على الممتلكات، كما وثقتها فيديوهات المعتصمين. والتي وثقت ايضاً انحراف بعض ساحات الاعتصام عن سلمية الاعتصام. واصبحت ساحة للدعوة للخروج على النظام، وقدح المقامات العليا، ومحاولة اعادة الحياة للفتنة التي تم وأدها. والتهجم على الاجهزة الامنية والدعوة للتصدي لها، في فيديوهات بث مباشر.
وبالرغم من ان هذه الاحداث كانت حالات معزولة، الا انه كان فيها خروج على حق الاعتصام كما اقره الدستور. وعدم ادراك لمعنى سلمية الاعتصامات والاضرابات. والذي يعني الخروج من المظلة الدستورية وتحوله الى حالة من الخروج على القانون.
وفي النهاية فنحن نقف على مفترق طرق، اما ان يؤدي بنا الى الهاوية، او نسلك طريق السلامة والامان. وانني لا ارى مستقبلاً للحكومة الحالية في وصولنا الى درب السلامة، مهما اجري لها من عمليات تجميل، او اعطيت من منشطات، او حقنت بالكورتيزون. لقناعتي بأنها قطعت خيوطها مع المواطنين الذين لم يعودوا يثقون في اي شيئ تقوله او تعمله، حتى لوكان عنوان الحقيقية. ويصدقون كل ما يقال عنها ولو لم يكن فيه أي شيئ من الحقيقة. ولكني اعرف ان اي حكومة يتم تشكيلها الآن لن تملك عصى سحرية تحل بها مشاكلنا، الا بعد استكمال منظومة الاصلاحات التشريعية والقانونية وما تتطلبه من اضافة او تعديل. والا فأنها ستكون استنساخاً للحكومة الحالية، او اكثر سوءاً. ولا بد من تخفيف اعباء الحياة على المواطنيين المطلوب منهم سلوك الطرق السلمية للمطالبة في حقوقهم. وان تضرب اجهزتنا الامنية بيد من حديد على من تبقى من حملة الفكر التكفيري والارهابيين والمخربين والخارجين على القانون. والا فأنني استودعكم الله في هذا الوطن..