عندما التقى عالم الفيزياء الشهير ، آينشتاين ، الشاعر الهندي العظيم ، طاغور ، قال له ، مداعباً: "إنكم ، في شرقكم ، تنعمون بضوء القمر الرخي البهي". فأجابه طاغور ، بحسرة: "وأنتم ، في غربكم ، تنعمون بالشمس الساطعة". لكن هل ما زال الشرق شرقاً والغرب غرباً ، ولن يلتقيا ، حتى بعد كل هذا الامتزاج المكاني ، والزماني الذي نحياه ويحيانا؟ أم إن هذا الزمن التكنولوجي الرقمي المتسارع ، الذي طوى ، تحت إبطه الجغرافيا ، وخرائطها ، ووحد الجهات ، ولاشى المسافات ، حتى غدت الأرض نقطة واحدة لا أبعاد لها؟
عندما يقولون إن الأرض صارت قرية صغيرة ، أرجع بمخيلتي إلى القرية أيام زمان ، حيث كان يمكنك ، ومن أمام عتبة الدار ، أن تخمًّن نوع طبخة جيرانكم ، فالرائحة تنتشر بسرعة الريح. ومن شباك البيت تحزر أن مختار القرية دخل دار أبو العبد ، كي يصلح ذات بينه مع أم العبد ، على خلفية المعركة الصباحية ، بينهما ، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن عشرة صحون وابريق فخار.
نعم ، عالم اليوم أقل من قرية. ففي قرية أيام زمان ، كان يصدف أن ينطمر ، أو أن يتوارى سر من الأسرار ، كلقاء قاسم وسلمى في كرم الزيتون ، أو عند عين الماء. أما اليوم ، فالكرة الأرضية تبدو كحبة برتقال تحتويها راحة الكف ، فتحيط أسرارها وأخبارها من كل الجهات.
أعود إلى آينشتاين وطاغور ، فعندما قالا عن الشرق بأنه روحاني ، يعتني بالروح والمشاعر والأحاسيس ، ولا يأبه ، كثيراً ، بالعقل ، وإبداعاته وإنجازاته ، فيما ادعيا أن الغرب يعنى بالعقل والمادية والعلم ، ولا يحفل بالروح وهمساتها.. فبسبب هذه النظرة الاستراتيجية ، الروح ، والعقل ، يرجع البعض تقدم الغرب وتخلف الشرق.
كلمتا آينشتاين وطاغور اختصرتا بنية الشرق والغرب ، فالقمر يمثل الروحانية ، بما فيها من رقة وسمو وأثيرية ومزاجية ، أحياناً ، والغرب تمثله الشمس ، بكل سطوعها وقوتها وصرامتها ، لكن الإنسان سيظل إنساناً ، إذا ما قدر على المزاوجة والمواءمة بين الجانبين المتضادين: الروح ، والعقل. فغالباً ما يزدهر جانب على حساب الآخر.
الغرب عاش حياة عقلية بحتة ، موضوعية ، عملية ، وفق منطق العلم الصارم.. عاش مبتعداً عن روحه ، بل مريضاً ، بها ، أكثر أوقاته ، لكنه تقدم وتطور ، فيما الإنسان الشرقي ، السعيد في فردوسه الروحي القمري ، وجد نفسه ، فجأة ، عاجزاً عن الاكتشافات والإبداع.
من الصعوبة أن نفاضل بين الروح والعقل ، فالإنسان ، إذا نأى عن روحه ، غدا جهازاً من الأجهزة ، أو آلة من الآلات ، وكذلك إذا نأى عن عقله ، فإنه سوف يحيا حياة أشبه ما تكون بحياة الجنين ، التي هي حياة حلم لاواعية.
الغرب تفوق وتقدم وقاد الإنسانية ووجهها كيف يشاء ، وأرى أنه سينجح أكثر إذا ما عاد إلى روحانية الإنسان ، فما أحوجنا ـ نحن البشر ـ إلى معادلة دقيقة تدلنا كيف يمكننا المزاوجة بين عقولنا وأرواحنا،.
ramzi279@hotmail.com