في بلاط الصحافة ، حكايات كثيرة ، ومن هذه الحكايات ما يتعلق بالاخطاء في الصحف ، وهي اخطاء تكاد في مرات ، ترسل رئيس تحرير اي صحيفة الى جهنم الحمراء ، لتحميره على الوجهين بالسمن البلدي او المستورد،.
ذات يوم وفي صحيفة عربية معروفة وفي الستينات ، كان عنوان الصحيفة الرئيسي يتحدث عن الرئيس جمال عبدالناصر ، واذ كانت تقنيات الصحف متواضعة جداً حينها ، فقد ارادت الصحيفة وصف عبدالناصر بالبطل ، وبسبب خطأ طباعي ، خرج عنوان الصحيفة ممتداً ويقول "البصل عبدالناصر" ، وقامت قيامة الدنيا على خطأ مطبعي ارتكبه فني ، لا يعرف احد ما هو مصيره حتى اليوم ، ان كان حياً يرزق ، او مسجوناً يُعذب ، او متوارياً عن الاعين لظنه ان عبدالناصر ما زال موجوداً.
في قصة ثانية ، استضافت صحيفة عربية شيخاً جليلا ليروي مذكراته وقصته مع الافتاء ، ومن الاسئلة كان هناك سؤال عن سر عمامة الشيخ الخضراء ، ولماذا يشتهر بلبسها بطريقة مميزة تختلف عن بقية المشايخ ، والكارثة كانت ان احد عناوين المقابلة يشير الى عمامة الشيخ ، ولان من كتب العنوان ، لم يجد محرراً يقرأ خلفه ، وكان هناك اهمال في تدقيق النص ، والمقابلة من ناحية املائية ، فقد خرج العنوان ليقول "سر قمامة الشيخ الخضراء" ، وكان العنوان الجديد مهيناً ومؤذياً ، ولم يصدق احد ان الخطأ اسبابه فنية ، اذ تم تسييس القضية واتهام صحافيين يساريين في ذات الصحيفة بالاساءة الى الشيخ الجليل ، والعبث قصداً بالعنوان.
في عاصفة لا تنسى ، اجرت صحيفة عربية مقابلة مع وزير خارجية ، وسألته عدة اسئلة ، واول سؤال كان اسرائيل ، والثاني عن العلاقات مع مصر ، وحين تم تجهيز المقابلة وبسبب خطأ في الكومبيوتر ، تم وضع جواب السؤال الثاني للاول ، ووضع جواب السؤال الاول للثاني ، والمفارقة ان الوزير لم يورد اسمي اسرائيل ومصر في الاجابتين ، حتى يتضح الخلط ، فخرج النص وكأن الوزير يمتدح اسرائيل ويعشقها ، فيما الجواب هو عن مصر ، اما السؤال الثاني فقد خرج بالاجابة عن اسرائيل ، شاتماً مصر ، وسياساتها ، والوزير دار يومها اغبر الوجه في شوارع بيروت باحثاً عن اي واحد من الصحيفة لقتله او قليه او شويه امام هذه الفضيحة.
في حادثة نادرة ايضاً ، اجرت صحيفة مقابلة مع وزير معروف ، اشتهر عربياً ، وفي مقدمة المقابلة ، اراد الصحفي ان يتملق الوزير ويقول ان الوزير بدلا من الاجابة عن اسئلته ، باغته بسؤال مهم ، حول تقييمه كصحفي للوضع في شرق المتوسط ، دلالة على ان الوزير لا يدعي انه بحر العلوم ، ويستمع لاراء الناس ، واذ اراد ان يقول "سؤال الوزير كان ناعماً في خيوطه خطيراً في ما خلفه من ايحاءات" ، واذا بالخطأ في الصحيفة يخرج ليقول "سروال الوزير كان ناعماً في خيوطه خطيراً في ما خلفه من ايحاءات" لتتفجر ردود الفعل حول سروال الوزير ، وما قصة نعومته ، والذي جرى بين الوزير والصحفي في مقر الوزارة،.
الصحافة الاجنبية اكثر تحملا لهكذا اخطاء ، اذ نشرت صحيفة امريكية تقريراً عن رئيس الولايات المتحدة ، وبدلا من نشر صورته ، نشرت صورة قرد يتقافز على الاشجار ، ولم يغضب البيت الابيض ، ولم يرسل الصحيفة الى جهنم ، وبقيت القصة محل تندر ما بين من يظن انها مقصودة ، للاساءة الى الرئيس ، او من يظن انها رسالة لتوصيف اداء الرئيس السياسي بكونه يقترب من اداء القرد الذي يقفز من شجرة الى شجرة ، الى ذلك الذي حسم بأنها مجرد خطأ فني.
نسخة الصحيفة التي ترونها بين ايديكم ، مسال حبرها من دم الذين يعملون فيها ، بدءا من رئيس التحرير المسؤول عن كل حرف في الصحيفة الى أصغر محرر ، ولا يعرف كثيرون ان مبنى اي صحيفة يبقى عاملا لاربع وعشرين ساعة متواصلة من اقسام التحرير ، الى الاعلانات ، الى الاخراج والتنفيذ والصف ، وصولا الى المطابع والتوزيع ، فلا يكون غريباً ان يدخل الصحفي صحيفته مبكراً ، فيما يكون فني الطباعة على وشك الخروج من المطبعة ، ليبدأ يوم جديد.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)