اضطر وزير البيئة الأردني إلى تقديم استقالته التي قبلت فورا لأنه تطاول على الإعلام والإعلاميين مستخدما كلمات نابية لا يليق أبدا أن تخرج من رجل دولة. فلماذا يفشل بعض الوزراء الذين يتم استدعاؤهم من القطاع الخاص لقيادة منظمات القطاع العام؟
هذا سؤال مهم لأن كثيرا من مديري الأعمال الناجحين يفشلون عندما يتقلدون مناصب سياسية أو يدخلون الحياة العامة. وعلى عكس ما يظنه خبراء الإدارة؛ فإن التحول من القطاع العام للخاص أسهل واحتمالات نجاحه أكبر. فلقد جاء "جورج بوش الإبن" إلى الإدارة الأمريكية وهو يحمل درجة في إدارة الأعمال من هارفارد، فكان أفشل رئيس عرفه التاريخ. وهو الذي اختار "باول أونيل" وزيرا للخزانة بعدما كان رئيس شركة ناجحا، فتحول إلى أضحوكة. وعمد "بيرلسكوني" رئيس الوزراء الإيطالي إلى تعيين أكبر بطانة أعمال في وزارته، وها هي الفضائح تلاحقه من كل حدب وصوب. وتؤكد سيرة "ديك تشيني" أن تقليد رجال الأعمال مناصب سياسية، لا تؤدي إلى فشلهم فقط، وإنما إلى تعارض المصالح وتشريع الفساد، ولهذا ترك "دونالد رامسفيلد" وزارة الدفاع الأمريكية بفضيحة عالمية مدوية، بعدما قاد أفشل حربين أمريكيتين.
هناك بون شاسع بين عقلية ونمط التفكير السائد في طبقة رجال الأعمال وطبقة رجال الدولة. لأن تنفيذيي الأعمال يعجزون عن التمييز بين نمطين من القيادة: قيادة تنفيذية يتمتع فيها القائد بصلاحيات وسلطات واسعة لكي يصنع القرارات ويضمن تطبيقها، وقيادة اجتماعية لا يجوز أن تصدر فيها القرارات المهمة عن قائد واحد. فالقائد الاجتماعي (الحكومي) يحتاج أكثر لمهارات التواصل والإقناع، لأنه لا يصنع القرارات مباشرة، بل يصنع الظروف المناسبة لاتخاذ تلك القرارات.
ممارسة القيادة العامة وقيادة منظمات المجتمع المدني تختلف تماما عن القيادة التنفيذية أو القيادة الخاصة. إذ يبدو أن الوزير المقال أو المستقيل كان يظن أن "وزارة البيئة" شركته الخاصة التي ورثها عن أسرته أو أسسها لنفسه بنفسه. وهذا هو ما يراه "بيرلسكوني" في إيطاليا، وما رآه "بوش الإبن" في أمريكا، فقط ظن فعلا أن أمريكا هي شركة أو تركة ورثها عن "بوش الأب". وهذه ليست قيادة، بل هي نوع من الإجبار والتعسف في استخدام السلطة. القيادة الحقيقية هي التي يتبعها الناس إذا ما منحوا الفرصة ليختاروا بين اتباعها وبين رفضها. فإذا ما كان الناس يتبعونك لأنهم لا يملكون خياراً آخر، فأنت سائد أو سادي، لا قائد عادي.
في القطاع العام، يصعب إبعاد المديرين والموظفين غير الأكفاء عن وظائفهم؛ بينما من السهل على مديري القطاع الخاص فصلهم فورا؛ إذ يمكنهم استخدام المال لاجتذاب الموهوبين. في حين يتحتم على قادة القطاع العام الاعتماد على أفراد يتقاضون رواتب أقل. لكن السؤال هنا ليس: كم تدفع من الرواتب، بل لمن تدفع أعلى الرواتب؟. فالفرق هيكلي وليس شخصيا.
بعد أيام ستخوض "ميج ويتمان" رئيسة شركة (إيه بي) الناجحة منافسة شرسة على مقعد حاكمية ولاية كاليفورنيا؛ وكان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني المحافظ اختار "اللورد براون" الرئيس السابقة لشركة "بي بي" ليحقن أجهزة الحكومة البريطانية البطيئة بشيء من روح القطاع الخاص؛ وكلفت الحكومة الهندية السيد "ناندان نلكاني" مؤسس شركة "انفوسيس" العملاقة ليعيد تصميم هياكل الإدارة الحكومية المتداعية. ولكن هؤلاء جميعا كانوا قد عملوا استشاريين عالميين وأثبتوا نجاحات مرموقة في بيئات عمل متنوعة، ولذا لا يجب القياس على تجربتهم الاستثنائية في القطاع العام، لأنهم يكلفون بمهمات استشارية لا تنفيذية.
وهذا يعني أيضا أن قياديي القطاع العام لا يعتبرون نموذجا واحدا يحتذى من حيث القيم والقيمة، أو من حيث الجدارة والفاعلية؛ بل يعني أن منظومة العمل وهياكله تختلف ما بين الإدارة العامة والخاصة. فالأولى تحتاج إلى مرونة وصبر وكياسة، والثانية تحتاج إلى حسم وسرعة. لأن الإدارة الحكومية إنسانية وشعبية، وإدارة الأعمال اقتصادية وشخصية. الأولى تقوم على التعاون، والثانية على التنافس. وأهم شروط النجاح في الإدارة الحكومية هو أن يتم اختيار القيادات العامة بعد فرز وغربلة ودقة موضوعية؛ أما قيادات القطاع الخاص فتختار مساراتها وصناعاتها وأسواقها ومهنها بنفسها، ويعد هذا الاختيار بحد ذاته رفضا مبدئيا لروتين القطاع العام، أو خوفا من الخوض في مستنقعاته ومتاهاته.
بقلم خبير الإدارة العالمي/ نسيم الصمادي
صاحب نظرية التمتين ...
Tamteen@edara.com