بعيداً عن الأسباب التي أدّت إلى تأجيل زيارة وزيري الخارجية الأردني والمصري لنهاية الشهر فإنّ المطلوب هو إلغاء الزيارة إلى حين وجود معطيات سياسية جديدة تمنح الزيارة مشروعية وقيمة حقيقية. بالطبع المسألة ليست مرتبطة بزيارة عادية في سياق علاقات الدول ببعضها، فهذه الزيارة، تحديداً، في الوقت الحالي تحمل أبعاداً إعلامية وسياسية تتطلب تفكيراً ونقاشاً أطول وأعمق في الموازنة بين عوائدها وكلفتها.الأسباب المعلنة للزيارة تتمثل بتنشيط مبادرة السلام العربية وتسويقها لدى الجانب الإسرائيلي، وهذا الهدف يبدو غير وارد في المرحلة الحالية؛ فتسويق المبادرة طرح في قمة الرياض إثر اتفاق مكة بين كل من فتح وحماس وعهد إلى الأردن ومصر القيام بهذه المهمة لرمي الكرة في الملعب الآخر والتأثير على الرأي العام الإسرائيلي بتقوية ما يسمى "معسكر السلام". إلاّ أنّ الظروف تغيرت جذرياً بعد مؤتمر الرياض فلم يصمد اتفاق مكة وخلقت أحداث غزة وقائع جديدة قلبت المعادلات رأساً على عقب داخل فلسطين وفي المنطقة، ما يعني في المحصلة تأبين مخرجات قمة الرياض، أو على الأقل وضعها على الرف في الوقت الحالي، بما في ذلك تسويق المبادرة العربية للسلام.
الأولوية العربية الملحة تتمثل اليوم بإصلاح الوضع الفلسطيني وإعادة تدشين الحوار بين حركتي فتح وحماس قبل أي تحرك عربي باتجاه التسوية والسلام، فلا توجد – راهناً- اية مصداقية للمبادرة العربية في سياق حالة الانفصال بين كل من غزة والضفة الغربية، تلك الحالة التي تهدد جذرياً مشروع الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على حدود عام الـ67، وتعيد مرة أخرى طرح سيناريوهات الوصاية الإقليمية العربية على الأراضي المحتلة.
ليس منطقياً ولا مقبولاً التغاضي عن الحالة الفلسطينية أو الاصطفاف مع طرف ضد الآخر. فمحاولة حشد الدعم الرسمي للرئيس عباس ضد حركة حماس لن يخدم – ابتداءً- مبادرة السلام العربية، التي تتحدث عن مقايضة تاريخية بين دولة فلسطينية على حدود عام الـ67، وليس فقط الضفة الغربية، وبين تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، كما أنّ التحيز الرسمي العربي مع عباس بمثابة إمعان من قبل بعض الحكومات العربية، وفي مقدمتها الحكومة الأردنية، بعدم الرغبة بالوقوف على الأسباب الحقيقية للصراع الفلسطيني الداخلي، وعدم الرغبة، كذلك، بالاعتراف بحماس كلاعب فلسطيني لا يمكن تجاوزه أو تجاهله فيما إذا كنا لا نزال نتحدث عن دولة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المفارقة الملفتة أنّ التحرك الرسمي العربي اليوم - بما في ذلك زيارة وزيري الخارجية الأردني والمصري- سيؤدي إلى نتائج سلبية وسيصب، بالضرورة، باتجاه سيناريو "الضفة أولاً"، فغزة تحت هيمنة حماس مستبعدة اليوم من مشاريع التسوية، وبعض الأوساط الرسمية العربية تتبنى - بوضوح- فكرة دعم عباس وتقويته وإنعاش الوضع في الضفة للضغط على قادة حماس في غزة، وهي فكرة عليها الكثير من الملاحظات، التي سبق وأن تحدثنا عنها، وقد بنيت على فرضيات خاطئة ابتداءً، لكن أخطر ما فيها أنّها تعزز وتُجذِّر حالة الانفصال بين الضفة الغربية وغزة، مع مرور الوقت، ما سجعل مستقبلاً من الصعوبة بمكان العودة إلى الحديث عن دولة واحدة على الضفة والقطاع معاً.
بالعودة إلى موضوع الدبلوماسية الأردنية، فإذا كان من المتفق عليه أنّ قيام الدولة الفلسطينية بمثابة مصلحة حيوية وطنية أردنية، فإنّ سيناريو "الضفة أولاً" لا يخدم المصلحة الأردنية بأي حال من الأحوال، بل يعزز من مؤيدي وأنصار الكونفدرالية وإعادة الضفة الغربية للأردن، إذ سيكون الأردن هو المتنفس الوحيد لسكان الضفة الغربية، ومع تضاؤل وضعف فرص قيام الدولة على كامل التراب الفلسطيني المحتل، فسيتحول الانضمام إلى الأردن لمطلب شعبي فلسطيني لسكان الضفة، الذين سيجدون في العلاقة مع الأردن فرصاً اقتصادية وشروطاً إنسانية ومصالح سياسية أفضل بكثير من البقاء في كانتون غير مستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
من جهة أخرى؛ فإنّ "الصورة النمطية" - لدى الرأي العام العربي- عن الدور الإقليمي الأردني، صورة خطرة وسلبية تظهر الأردن متهافتاً على التطبيع والعلاقة مع إسرائيل، وكأنه رأس حربة في الصف العربي لخدمة الأجندة الأميركية، وهي صورة يتطلب أخذها بعين الاعتبار وعدم تجاهلها، لما لها من تداعيات على مصالح الأردن وأمنه ومصادر قوته الداخلية والخارجية، ولأنها قبل ذلك لا تعبر عن الوجهة المطلوبة للسياسة الخارجية الأردنية.
إذا كان البعض يشكك في وجود الصورة النمطية السلبية عن الأردن، لدى الرأي العام العربي، ما عليه سوى الدخول إلى المنتديات العربية على شبكة الانترنت ومراقبة التعليقات والكتابات حول الدور الإقليمي الأردني تحديداً، ليتأكد أنّنا لا نبالغ في التأكيد على الاهتمام الجدي بتحسين الصورة الإعلامية من ناحية والتفكير أكثر بأبعاد وجدوى الخطوات السياسية كالزيارة المطروحة لإسرائيل، فلا يكون الأردن دائماً "جمل المحامل" في الحالة الرسمية العربية المتردية.
مرة أخرى؛ الاهتمام الرئيس للجهد العربي يتمثل اليوم بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والانفتاح على القوى المختلفة وتفويت الفرصة على سيناريوهات ومخططات الفصل بين الضفة وغزة، فهذا ما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية والأردنية على السواء وهو شرط مسبق للحديث عن أي مبادرة سلام أو تحرك عربي للضغط باتجاه التسوية والسلام.
m.aburumman@alghad.jo