بصراحة .. القسم الاول
اللواء المتقاعد مروان العمد
21-12-2022 02:15 PM
ملاحظة / هذه مقالة طويلة تتناول ما جرى ويجري في الاردن حالياً، انشرها على حلقتين، راجيا عدم الحكم عليها الا بعد الاطلاع عليها كاملة لمن يرغب في ذلك.
لقد تابعنا جميعاً الاحداث التي تفجرت في الاردن خلال الايام الماضية، والتي هي نتيجة تراكمات وسياسات خاطئة ارتكبتها حكومات سابقة. وظروف صعبة مرت على الاردن. وانا لن ادخل في تفاصيل الحديث عن الاسباب والمسببات، فالحديث عنها يطول ويتشعب ونحن الآن لا نملك ترف اضاعة الوقت في الحدث في الماضي، قبل ان نحتوي الوضع الحالي ونعيد الهدوء للشارع الاردني. ونجنبه ويلات الانزلاق الى الهاوية.
الا ان هناك ما يجب ان يقال سواء اكان عن الحكومة، او المضربين، او مثيري الفوضى، او من يصعد الاحداث من خلال تعليق او مقال، او خبر مفبرك، او فيديو حقيقي او مزور.
وبالنسبة للحكومة فعليها ان تتحمل المسؤولية عن قراراتها الخاطئة، وعن تعنتها في مواقفها. فقد كان عليها ان تشعر مع المواطنين، والحالة المادية التي خرجوا بها نتيجة وباء كورونا، من انخفاض الدخل او انقطاعه. وتأثيرات الحرب في اوكرانيا، وارتفاع اسعار الكثير من السلع، وقدوم فصل الشتاء ببرده القارص، وان تقرر على الاقل تثبيت سعر مادتي الكاز والسولار خلال اشهر الشتاء كما حصل في العام الماضي، وان لاتبرر عدم قيامها بذلك بالقول ان ذلك سوف يكلفها دعم اسعار المحروقات بمبلغ ٥٥٠ مليون دينار. لان هذا ليس دعماً، ولكنه نقص من قيمة الضريبة التي تحصل عليها من ثمن المحروقات. وليس مقنعاً رد دولة الرئيس ان الحكومة لا تملك ترف القيام بذلك، وان اسعار المحروقات خط احمر. وكان عليه ان يدرك ان المواطن لم يعد يملك المقدرة على دفع المزيد ثمناً للمحروقات في فصل الشتاء وقد وصل دخله للحضيض. وان توفير قيمة هذا التثبيت مشكلة الحكومة وليست مشكلة المواطن. وما كان عليه ان يستمر في استفزاز المواطنين في بعض قراراته، وتشبثه بها، مثل الغاء التوقيت الشتوي والذي هو توقيتنا الاصلي. كما ان اصراره على ترديد عبارة ان اجمل الأيام هي تلك التي لم تأت بعد، والمواطن يعيش اسوء ايام حياته، كان بها استفزاز للموطنين الذين لا يريدون وعودا، ولكن شيئ ياكلونه او يلبسونه. او يجعلهم يشعرون بالدفء.
كما ان مجلس النواب كان يجب ان يتحمل نصيبه من المسؤولية، والذي انشغل اعضائه في الامور الاجتماعية، او ممارسة هوايات المصارعة والملاكمة تحت القبة. او القاء الخطابات الرنانه والشعارات التي تلهب مشاعر المواطنين، والذين لا يجدون بعد ذلك الا سرابا.
وكان نتيجة ذلك ان قام بعض سائقي سيارات الشحن ومالكيها بالمطالبة بتخفيض اسعار السولار المستخدم في شاحناتهم. وكان رد الحكومة على ذلك التجاهل. مما دعاهم الى اعلان الاضراب وايقاف شاحناتهم على اطراف الشوارع الرئيسية، معلنين سلمية احتجاجهم
وهنا جاء دور نشطاء السوشيال ميديا، وكتاب التدخل السريع. واخذ بعضهم بنشر الاخبار الكاذبة والفيديوهات المفبركة، كما كثر المتحدثون عن كلف استيراد النفط، واسعار بيعه للمواطنين. وذهب البعض الى انشر ارقام مختلفة لثمن بيعه للمواطنين، ومقدار ارباح الحكومة من وراءه، وان معظم هذه الارباح لا تدخل الخزينة. دون ان يقدم احدهم دليلا ثابتاً على ذلك. في حين ان الحكومة كانت تنفي هذه الارقام، وتقول ان ما تأخذه من اسعار البيع كضريبة مضافة، لا يصل الى ربع ما يذكره بعض الكتاب والمحللين. وانا وان كنت غير مقتنع بالارقام التي يذكرها البعض، الا انني ايضاً غير مقتنع بالارقام التي تذكرها الحكومة، حيث انني كنت افلل سيارتي قبل عدة سنوات، وعندما وصل سعر برميل النفط إلى المائة والعشرين دولاراً، بمبلغ يصل الى خمسين دينار لما بين ٦٠ الى ٦٥ لتراً من البنزين الخاص. وانا الآن ادفع لنفس هذه الكمية من البنزين 95 حوالي سبعين ديناراً. مع ان سعر برميل النفط حالياً يتراوح ما بين السبعين والثمانين دولاراً فقط. كما ذهب البعض للقول ان مليارات الدولارات ترد للاردن سنوياً كمساعدات نقدية، ومن غير ذكر من اين تردنا هذه المساعدات، في حين ان الدولة الوحيدة التي تقدم لنا مساعدات مالية وبحدود مليار ونصف مليار دولار ،هي الولايات المتحدة، من ضمنها المساعدات العسكرية و على شكل اسلحة او ذخيرة او تدريب. اما ما يردنا من الخارج فهو ديون، ومساعدات تتعلق باللاجئين، وتنفيذ بعض المشاريع الصغيرة.
كما تحدث البعض عن المليارات من الدنانير التي تحصلها الحكومة من المواطنين كضرائب من غير الاشارة الى اننا من اكثر شعوب الارض تهرباً من دفعا. هذا غير ما ذكر عن اسعار الماء والكهرباء والخدمات التي تقدمها الدولة بأسعار اقرانها مرتفعة جداً، متجاهلين كلفة انتجها. وعن حالات الفساد التي حصلت وتحصل، وكما ورد في تقرير ديون المحاسبة لهذا العام و في كل عام. ولكنهم يتناسوا أن الميزانية السنوية للاردن تتجاوز الاحد عشر مليار دينار معظمها اجور ورواتب وكلف وخدمات غير انتاجية. وبالنتيجة هناك خلل في كل الامور المالية التي تتعلق في الاردن ويوجد هدر وفساد كبير. ويوجد ايضاً مبالغة كبيرة في مقدار هذا الخلل.
وقد ادى كثرة الحديث عن هذه الامور الى زيادة جرعات عدم الرضا والقبول لدى اصحاب وسائقي الشاحنات المضربين، والذين وفي البداية كان اضرابهم واعتصامهم مثالياً . الا انه نتجية كثرة الحديث عن هذه الامور، واختلاط الحقيقية مع المبالغة. وصمت الحكومة ازاء مطالبهم، وتجاهلهم وعدم الاتصال بهم، او إجراء مناقشات معهم، وابدائها عدم توفر النية للاستجابته لمطالبهم، حول جرعات عدم الرضا الى حالة من الاحتقان والغضب لديهم على الحكومة وعلى مجلس النواب، والذي اسمعهم في البداية عبارات الدعم والتأييد، وانه يعد لسحب الثقة من الحكومة، ثم ليعود ويعلن انه والحكومة اتفقوا مع بعض شركات النقل على عدد من الإجراءات مقابل انهاء الاعتصام، لم ترق الى مستوى مطالب المعتصمين.
الا انه ورغم سلمية الاعتصامات في الايام الاولى، فقد كانت لي مخاوفي بأن تخرج هذه الاعتصامات عن سيطرة القائمين عليها. او ان يتسلل اليها اشخاص غير منضبطين يحرفونها عن اهدافها. او ان تقع تحت تأثير من يسعون لإثارة الفوضى في الاردن وتدميره. وللاسف فقد تحققت مخاوفي. ففي حين كنا نشاهد الاعتصامات المنضبطة، كنا نشاهد من يقطعون الطرق والشوارع الرئيسية، ويشعلون فيها النار. ويمنعون المسير عليها. ويهاجمون الشاحنات التي كانت تسير عليها. ويقذفونها بالحجارة، وفي بعض الاحيان بطلقات الرصاص، لمنعها من التحرك. واجبار سائقيها على الانضمام للاعتصام. وشاهدنا البعض يقلع اعمدة الكهرباء، ويحرق مولداتها، بالاضافة الى حرق بعض المباني الحكومية. وهذا البعض على الاغلب ليس له علاقة بالمضربين والمعتصمين ومطالبهم، وانما هم مجموعات غير منضبطة، هدفها التخريب والتدمير واثارة الفوضى، او لما في داخلهم من احساس بالتهميش والفقر والبطالة، او لانهم وقعوا ضحية للمحرضين من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كانت تحث المواطنين على الخروج للشارع، واعلان احتجاجهم على اوضاعهم، وتحضهم على اسقاط النظام. في حين ان حق الاضراب والاعتصام الذي كفله الدستور الاردني، يحظر القيام باعمال عنف وشغب، وارغام آخرين على الانضمام له بالقوة، او تقطيع اوصال الوطن، واغلاق الشوارع والطرقات، والاعتداء على الاموال العامة والخاصة.
ونتيجة لذلك كان لا بد من تدخل الاجهزة الامنية للسيطرة على اعمال الفوضى، واعادة فتح الطرق والشوارع، وخاصة الحيوية منها، مثل الطريق من والى ميناء العقبة. وان توقف اعمال التخريب والحرق والتدمير. دون الاقتراب من مواقع المعتصمين السلميين، او تقوم بالاعتداء عليهم، او فك اعتصامهم. الا ان جماعة الذباب الالكتروني في الخارج، والساعين لنشر الربيع العربي في الاردن، والمرتبطين بجهات خارجية تسعى الى اضعاف الموقف السياسي الاردني، والضغط عليه ليوافق على ما لم يوافق عليه من حلول او مقترحات، واهمها الوطن البديل، وان يكون حل القضية الفلسطينية على حساب الاردن، وجهوا سهامهم اليه، واخذوا في نشر الاخبار الكاذبة والاشاعات المغرضة. واستحضروا فيديوهات مفبركة او قديمة، او لاحداث حصلت خارج الاردن على انها حصلت فيه. وكلها تحريض للمواطنين على القيام باعمال عنف. وقد استجابت قلة قليلة لتأثير هذه الفيديوهات والاخبار الكاذبة، وقامت بالاعتداء على عناصر الاجهزة الامنية، ورجمهم وسياراتهم بالحجارة، وتوجيه التهم والشتائم لهم.
يتبع القسم الثاني