اذ قال يوماً ، ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما الا بالدم ، واوصاله يتم تقطيعها في بغداد ، غير انه لم يقل لنا مدة صلاته فطالت الركعتين ، حتى انحنى ظهر المؤذن ، فما انهى صلاته ، ولا قام من محرابه.
اي لعنة هي حلت على بغداد ، والحلاج الذي رحل ترك خلفه نبوءة ، تناسى انها نبوءة ناقصة ، لانها لم تحدد لنا مدة الصلاة ، ومن يومها يستسقي النخل العراقي الدم ، ويحن العراقي بصوته حنيناً لا تحتمله النوق بكل صبرها على فقدانها وليدها الصغير. من ذاك الذي يزرع الجنون في رؤوس البشر ، ويزرع العقم في رؤوس النخل ، فمن القتل على المذهب ، وصرعى السنة والشيعة ، الى قتل المسيحيين ، تتم تشظية العراق ، وعقيق النجف ، بات اسود من شدة الاحزان ، ويد ابي حنيفة تم قطعها ، وعمامة الكيلاني مختطفة.
الدم المسال في بغداد ، وكل العراق.ملايين القتلى.ملايين الارامل.ملايين الايتام ، وكل ليلة فاجعة جديدة ، وكأنه انتقام بأثر رجعي من اولئك الذين سبوا اليهود الى بابل ، والثارات عند هؤلاء لاتغيب ، عادوا بعد الاف السنين ، للثأر والانتقام.
الدم غسل كل العراق ، وأنين العراقيين يمتد كغمامة من بغداد الى عمان ، ومن عمان الى القدس ، ويطير الوجع فوق رؤوس البشر ، في القرى التي تجاور بغداد ، من جزيرة العرب الى الشام ، فالنيل ومغربنا الذي ينتظر دوره ايضاً.
هل رأيتم وجوه الامهات اللواتي يلطمن في بغداد على ضحايا الغدر ، حين كانوا في كنيسة النجاة ، هل رأيتم وجوه الامهات المتشحات بالعباءات السوداء في كربلاء والنجف وبغداد والبصرة والموصل.
وجوه لا ننساها ابداً.لانها منا.لا انسى رغيف الخبز المخبوز في التنور الذي ناولتني اياه ساخناً ، عراقية ريفية في ناصرية الجنوب ، قبل عشرين عاماً ، واذ تتنهد وتقول يومها ، بكل اسى الدنيا ان العراق منكوب.
أهي صيحات الحسين قبيل شهادته ، ذات ساعة غدر ، ام هي اقدار البلاءات على العراق ، ام هي هشاشة التاريخ فينا ، فيحل الجراد على ارضنا الخضراء ، ولا يجد الجراد حتى من يقاومه ويقتله ، فلا يترك شبراً ، دون ان يغتاله.
اليوم العراق ، وبعد العراق سيأتي الدور على البقية ، لان للدم لعنة لا تغيب.لعنة السكوت على الدم ، وهدر الدم.لو ارتكب العراقيون كل خطايا الدنيا ، فانهم الى الجنة بلا حساب ، يسبقهم الفلسطينيون ، لان البلاءات التي تنزلت عليهم فوق قدرتهم ، وفوق آثامهم وخطايهم.
أيعقل ان يحاسبوا ايضاً بعد كل هذا البلاء.سؤال يتردد في بالي.هل تتذكرون اطفال العراق وكيف ينامون وصوت التفجيرات ، ورائحة الدم تأتيهم مع وجبات الصباح ، والاصابع المبتورة للشهداء مغموسة في ريق شهود الزور في كل مكان.
بغداد تدفع الثمن عن بابل ، لان بابل الاولى والثانية كانتا سيدة المدن ، والثمن لا يكون عادلا الا بدفع الثمن كاملا ، واليهود ومن معهم اصروا على ذبح بابل الثالثة ، اي بغداد ، من الوريد الى الوريد ، وحرق وجهها وشوي قلبها الاخضر ، كل صباح.
كل قصة بغداد..انها بابل الثالثة ، فيا ويلها ويا ويلنا من حقد المسبيين.
(الدستور)