ليس دفاعا عن اللجنة الملكية .. بل دفاعا عن العقل
د. رائد سامي العدوان
21-12-2022 09:07 AM
في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا، لا ينكر عاقل ان هناك شعورا جماعيا "بالأزمة"، ولعل ما يقوي هذا الشعور هو تعدد أبعاد هذه الأزمة، حيث تختلط العوامل الاقتصادية المرتبطة بالتضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، وتقف المطالب المحقة والمشروعة للمواطنين أمام قلة البدائل المتاحة أمام الحكومة، وتتعدد أبعاد الأزمة الداخلية والإقليمية والدولية.
ولعل ما يزيد من الإحساس الجماعي بالأزمة، التوافق الوطني العام على أن الأردن مستهدف، مستهدف في نسيجه الوطني وفي سلمه الاجتماعي، بل وحتى في استقراره الأمني الذي لطالما كان مضرب الأمثال.
ولا أدل على ذلك من المثال الذي نعيشه هذه الأيام، حيث امتدت يد الغدر والإرهاب إلى خيرة شبابنا وابنائنا من قوات الأمن العام، وهي تؤدي واجبها الوطني في الحفاظ على حياة المواطنين وممتلكاتهم .
وهنا وفي مثل هذه اللحظات، تظهر الحاجة الملحة إلى التفاف الجميع حول قيادتنا الهاشمية، وأن تتكاتف جهود النخب الوطنية والمواطنين في التأكيد على مناعة جبهتنا الداخلية ولحمتنا الوطنية، وأن يسدوا أية ثغرة يمكن أن ينفذ منها أعداء الوطن ومستهدفوه، وتنحي جانبا الخلافات الشخصية والفئوية والايديولوجية.
وبكلام آخر، وفي مثل اللحظة الوطنية الراهنة، فإن آخر ما يحتاجه الوطن هو خطابات الفرقة والشعبوية، والاهتمام بتصفية الحسابات الشخصية الهامشية بين هذه النخب.
وكمثال لهذه الجدالات العقيمة، ما يدور مؤخرا من خطابات تفتقر إلى الحد الأدنى من احترام عقل الجمهور، وأقصد إقحام اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأزمات الحالية، الناجمة عن ارتفاع أسعار المحروقات، وتحميلها مسؤولية ما يجري من استقطاب وأزمات
ودفاعا عن العقل لا اللجنة، نكتفي بتسجيل الملاحظات المقتضبة التالية:
- اللجنة الملكية التي يتجدد استهدافها هذه الأيام هي مجرد إطار استشاري، دون أي مسؤوليات تنفيذية، قام جلالة الملك عبد الله بن الحسين بتكليفها بمهمة محددة (ليس من بينها الشأن الاقتصادي الذي تكلفت بها ورشة العمل الاقتصادية الوطنية) وأنجزت مهمتها.
– اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بمجرد تقديم مخرجاتها لجلالة سيدنا، وانتهى دورها ووجودها عند تلك اللحظة، فمن الجنون محاولة إقحامها في الغلاء والإضرابات وحالة الطوارئ الأمنية، التي يوجد هناك جهاز تنفيذي لمعالجتها.
- ضمت اللجنة جميع أطياف المجتمع وحساسياته المختلفة، وساهم في أعمالها مختلف القوى المجتمعية الحية من خبراء وأكاديميين ومسؤولين سابقين وحزبيين كل في مجال اختصاصه، وفتحت أبوابها واستمعت لمختلف الآراء والتوجهات، وأنصتت لرأي المجتمع المدني، ورصدت ما تعكسه وسائل الإعلام من آراء المواطنين، وبالتالي فهي لم تكن في برج عاجي معزول عن المجتمع، واجتهدت أن تعكس مخرجاتها غنى المجتمع الاردني على اختلاف أطيافه.
- إن محاولة البعض المتكررة للتهجم على رئيسها "سمير الكبير" محكوم عليها بالفشل، و وصف رجل دولة من طينة أبي زيد ب "الصغير" من قبل البعض، ناهيك عن كونه طعن في حسن اختيار جلالة سيدنا للرجل، فإنه يمثل مجافاة تامة للموضوعية والنزاهة، التي تقول انه كان كبيرا في إدارته لأعمال اللجنة، ناجحا في التوفيق بين الآراء المختلفة داخلها، وماهرا في تجاوز الألغام التي نثرت في طريقها من قبل من يهدد تحديث المنظومة السياسية مصالحهم ومواقعهم.
- مخرجات اللجنة كانت توصيات رفعت لجلالة سيدنا، وعرضت للنقاش والاعتماد من مجلسي النواب والاعيان، وحولت للحكومة من أجل تنزيلها وتطبيقها، فإذا كان هناك أي ملاحظات موجهة لعملها فيجب أن توجه من باب أولى لمن اعتمد توصياتها، ولمن قام بوضعها موضع التنفيذ.
- توجيه الاتهامات بالفشل للاحزاب ولمخرجات اللجنة في هذا الموضوع فيه تجن لا تخطؤه العين، إذ كيف يعقل ان توجه هذه الاتهامات إلى منظومة حزبية لم تستكمل أصلا مرحلتها الاولى المتعلقة بتأسيس الأحزاب وموائمة أوضاعها، وكيف توجه اتهامات بالفشل والتقصير لاحزاب لم يعقد معظمها مؤتمراته التأسيسية أو العام، بل وكيف نحمل الأحزاب غير المشكلة أصلا وغير الممثلة في مجلس النواب، وليست مشاركة في الحكومة المسؤولية عن الغلاء والاضطرابات وغيرها مما يشهده الوطن حاليا؟! .
ختاما، فالوطن الاغلى أكثر احتياجا اليوم إلى إشاعة خطاب الوحدة، والارتقاء إلى مستوى اللحظة الوطنية، مع التنبيه المسؤول إلى جميع مواطن الخلل في أداء أي مؤسسة وطنية تنفيذية كانت او تشريعية، والتفكير المبدع في الحلول الكفيلة بتسهيل خروج الوطن منتصرا على الجهات التي تستهدفه، لأن عكس هذا السلوك سيقود حتما إلى نقلنا - لا سمح الله- إلى مرحلة الفوضى التي سندفع جميعنا ثمنها غاليا.
وما أحوجنا اليوم إلى تمثل قول رسولنا الكريم الذي حصر الخيارات المتاحة أمام نخبنا التي تتسابق في الظهور الإعلامي في أمرين: "فليقل خيرا أو ليصمت"!.