هل دخل الإرهاب و»التكفيريون» على خط الإضراب والاحتجاجات ؟ الرسالة التي وصلتنا بالدم، وجنازات الشهداء الأربعة الذين ودعناهم بالدموع ( رحمهم الله)، تشير إلى ذلك بوضوح، لكن إدارات الدولة تعمدت أن تترك للجمهور فهم الرسالة، ولم تخلط بين المسارين : مسار العنف، ومسار احتجاجات المطالب. خيرا فعلت، فالأردنيون الذين خرجوا للشارع، تحت وطأة الضائقة المعيشية، و الإحساس بالتهميش، التزم أغلبيتهم بالسلمية، وتصرفوا بأعلى درجات الالتزام والوطنية.
الآن يمكن تفكيك الرسالة بشكل أوضح، سلاح الإرهاب الذي توجه ضد أبنائنا في الأمن العام، كان موجها أيضا ضد الدولة، وضد الاحتجاجات ومطالب المضربين، ما يعني أن الدولة والمجتمع معا، كانا هدفا لنيران واحدة، هذا يكفي لفهم معادلة القوة والمنعة، حيث تستمد الدولة هيبتها وقوتها وحصانتها من المجتمع، والعكس صحيح أيضا.
نقطة التوافق، هذه، تشكل، أيضا، مفتاحا لتوافقات أخرى ضرورية وملحة، فمن تربة الاحتجاج يمكن أن تخرج فرص مبادرات وحلول تعكس عافية المجتمع وتصحح مسارات الدولة، كما يمكن أن تخرج أزمات و مفاجآت تأخذنا إلى المجهول، وتزيد من خسارتنا، هنا يجب أن نحدد خياراتنا، ونتصارح ونتصالح بما يلزم للوصول إلى حلول مرضية، اذا فعلنا ذلك فنحن هنا طرف واحد، لكن إذا اتسعت الخلافات، و تعمقت المكاسرات، لا سمح الله، سنتحول إلى أطراف متصارعة، وعندئذ نترك المجال مفتوحا لدخول أطراف أخرى، نعرفها او ربما لا نعرفها، لكنها لا تضمر لنا إلى مزيدا من الشرور.
صدمة الدم الأردني العزيز يجب أن تفتح عيوننا وقلوبنا، وتوقظ ضميرنا أيضا، على عنوان واحد، وهو «الأردن» الذي ليس لنا غيره، الشهداء لا ينتظرون منا، فقط، مزيدا من الحزن والإحساس بالفقد، كما أن أهلهم لا يريدون، فقط، أن نتقاسم معهم الوجع، وندعو لهم بالصبر، هذا اقل الواجب، الرد على رسالة الدم والتضحية وتطمين الأرواح، وتعزية الأكباد الموجوعة، هو أن نفعل كل ما بوسعنا ليبقى الأردن واحدا موحدا، وتبقى الكرامة، كرامة الوطن وكرامة الأردنيين، محفوظة، وتظل هاماتهم مرفوعة، والوطن ساميا عزيزا، لا يقبل القسمة على اثنين.
إدارات الدولة ومؤسساتها، وكذلك المجتمع بكل قواه الحية، جميعهم مدعوون، في هذا الظرف الصعب والحرج، للرد بوضوح لا يقبل اللبس على دماء الأردنيين وتضحيات الشهداء، عنوان هذا الرد هو «التوافق الوطني» للخروج من الأزمة بأسرع ما يكون، وبأقل ما يمكن من خسائر، وحدهم العقلاء يعرفون الطريق إلى ذلك، ويدركون، تماما، أن الاستثمار بالخلق الأردني «الوعر»، والخروج من مزادات التلاوم والتشكيك وتصفية الحسابات، ومن المعاندة والاستهانة بالحدث أو انتظار المزيد من الوقت، هو أفضل وصفه لاستعادة العافية، وتعزيز الوئام الوطني، وجبر الخواطر المكسورة، كما أنه أجمل باقة ورد يمكن أن نضعها على مقابر الشهداء، وأبلغ عزاء يمكن أن نقدمه لآبائهم وأمهاتهم، والأردنيين جميعا هل وصلت الرسالة؟.. قولوا : آمين.
(الدستور)