حسنا فعلت الصحف الاردنية إذ اكتفت بنشر ملخصات لكلمات السادة النواب في مناقشة خطاب الموازنة ، فالمواطن العادي ليس معنيا بقراءة النصوص الحرفية لهذه الكلمات ، خصوصا وان كثيرا مما يقوله السادة النواب مكرر ويركز على الملفات الخدمية والمطالب.
وكان حريا بالحكومة ان تحذو حذو الصحافة فتوقف البث المباشر عبر التلفزيون لكلمات السادة النواب ، والاستعاضة عن ذلك بتقرير اخباري متكامل يعرض لابرز ما يقوله ممثلو الشعب في نشرة الاخبار.
لا يوجد تلفزيون في العالم يقدم عبر احدى قنواته الرئيسية ساعات متواصلة من نقاشات النواب تحت القبة لاي موضوع. والقنوات الوحيدة التي تقدم البث الحرفي لوقائع الجلسات البرلمانية هي ما تسمى بالقنوات البرلمانية او قنوات الخدمة العامة.. اما البث على حساب البرامج العادية فهو «بدعة» اردنية في مجال الاعلام تفتق عنها ذهن احدهم منذ عدة سنوات واصبحنا جميعا اسرى لهذه السنّة غير الحميدة ،
وأكاد اجزم ان البث المباشر لكلمات النواب ونشرها حرفيا في الصحافة هو ما يدفع بعض السادة النواب الى التشدد والتخندق خلف مواقف متصلبة ، لعلمهم ان المخاطب في هذه الحالة هو جمهور الناخبين في دائرة النائب الانتخابية لا رئيس واعضاء الحكومة الموجودين تحت القبة.
ولا غرو ان بعض النواب سيتعمدون التصلب في خطاباتهم تحديدا في هذه الدورة الاخيرة من عمر المجلس ، فهذه الفرصة قد لا تتكرر لمخاطبة القواعد الانتخابية مباشرة وابراز القدرات البلاغية واستعراض الانجازات الحقيقية والمتخيلة. وعلى المواطنين ادراك ذلك ووضع الامور في نصابها الحقيقي.. فالامور ليست بهذه السوداوية او العدمية ، ولكنها الحسابات الانتخابية التي تفرض عدم المهادنة وابراز المهارات البلاغية الى اقصى حد ممكن.
واذا كانت الحكومات المتعاقبة قد وجدت طيلة السنوات الماضية متسعا في القناة الثانية لاسترضاء النواب ببث كلماتهم حرفيا عبرها ، فان هذه القناة ستؤول قريبا الى مالك جديد وبالتالي لن تستطيع الحكومة تجيير هذه القناة لهذه الغاية.
ويخشى المراقبون ان تضطر الحكومة في الدورات المقبلة لاستغلال القناة العامة «والوحيدة» لبث كلمات النواب ، اذ سيكون ذلك عقابا جماعيا لكافة المشاهدين الذين سيجدون انفسهم مجبرين على متابعة هذه النقاشات.. أو النجاة بانفسهم والتحول الى قنوات اخرى.
ومنذ ايام عقب احدهم على قرار الصحف الاكتفاء بنشر ملخص لمداولات النواب حول الموازنة قائلا ان الصحف والصحفيين سيدفعون ثمن هذا الموقف عندما يناقش النواب مشروع قانون المطبوعات والنشر الجديد الذي لا يزال بين ايدي السادة النواب ، وهم سيصفون حساباتهم مع الصحفيين من خلال تغليظ العقوبات في مشروع القانون المشار اليه.
وقد قلت لصاحب هذا الرأي ان هذا كلام غير مسؤول ، فنواب الامة لا يعملون بمفهوم النكاية والانتقام ، فنحن نتحدث عن قضايا وطنية تهم الجميع.. وعندما يكون قانون المطبوعات داعما للحرية فان السادة النواب هم اول المستفيدين من ذلك ، وانني انزه النواب عن العمل بروح الكيد والتشفي في الشؤون الوطنية