نعلم أن ثمة قضايا مطلبية معيشية، ذات طبيعة اقتصادية تشكل ضغطا كبيرا على المواطنين الفقراء من محدودي الدخل، والمتعطلين عن العمل، وبعض القطاعات المهنية، ومنها قطاع النقل، وهي ناتجة عن ظروف اقتصادية غير مريحة تمر بها البلاد، أثرت بشكل سلبي على ذلك القطاع، ومعه بعض فئات المجتمع، ومن حق هذه الفئات من أبناء الوطن، وهي بالمناسبة ليست بالقليلة من حقها أن تجهر بمعاناتها وأن تعبر عن نفسها وأن تطالب الحكومة الموقرة بحلول وسياسات من شأنها تحسين مستوى معيشتها بشكل سلمي، دون العبث بالوضع الأمني، والاعتداء على الممتلكات والأرواح، وإطلاق النار على أبنائنا من منتسبي الأجهزة الأمنية، لأن الأمر إذا ما وصل إلى هذه السقوف يصبح نوعا من الفوضى والتخريب، وخروجا على الأعراف والقوانين الأردنية، وإني أعيذ الأردنيين والأردنيات من هذا الإثم.

ولكنني لا أبرئ تجار السياسة من ذلك، ويجب ألا ندعهم يختطفون استقرار البلاد إلى حيث تسول لهم أنفسهم، فلا يعقل أننا بعد أن بنينا نحن وآباؤنا وأجدادنا مع الهاشميين هذا الوطن بالصبر والعرق والدم والكفاح والصمود حتى غدا منارة يهتدي إليها الحائرون، ومنارة يفيء إليها المستضعفون الهاربون بأرواحهم وآرائهم، لا يعقل بعد هذا كله أن نسكت ونحن نرى من يستثمر هذه الحالة الصحية الوطنية الاجتماعية لقطاعات وطنية تتفاوض مع حكومة وطنية بلغة الاعتصامات والتعبير السلمي لانتزاع ما تراه حقوقا لها يفرضها الواقع وحالة الضنك الاقتصادي العام، لا يعقل أن نصمت ونحن نرى نفر من أصحاب الخصومات السياسية مع الحكومة يحرض على الفوضى ويعبث بالأمن والسلم الوطني، فهؤلاء المتصيدون في الماء العكر، المتربصون بالوطن في الظلماء، والطامحون إلى الوراء، والمفلسون من الرصيد الوطني الذين استنفدوا كل ما لديهم من بضاعة السب والشتم والحيل والأكاذيب، هؤلاء الذين ينتقلون من مكان لآخر بحثا عن البؤر الساخنة، ينفخون تحت الجمر ليشعلوا الحرائق، ويشجعوا على الفوضى ويناصرونها، يتاجرون بمعاناة الناس، ويجيرون أوجاعهم ومطالبهم المشروعة لتحقيق مكاسب سياسية ولخدمة أهدافهم الخاصة، أولئك هم الذين يرقصون على جراح الناس ويفرحون بالعثرات، فما ربحت تجارتهم، وسيحترقون بضرام نواياهم السيئة؛ فالمكر السيئ يحيط بأهله، ألا ساء ما يفعلون .

رفقا بالوطن أيها السماسرة، وصبرا أيها الأردنيون الشرفاء، لقد عمل آباؤكم وأجدادكم مع قيادتهم الهاشمية عبر مئة عام خلت متجاوزين كثيرا من المحن والمصاعب والتحديات السياسية والاقتصادية، وواجهوا التحولات والمنعطفات الحادة التي عصفت بالمنطقة، وحفروا بأظافرهم وثبتوا فوق الأسطح الملساء ولم تجرفهم التيارات العابرة، وعبروا الأنفاق المظلمة، وقدموا تضحيات كبيرة من أجل مستقبل الأردن؛ ليظل بلدا حرا مستقلا سيدا يُضرب به المثل والقدوة والحكمة في إدارة الندرة، بلد يحكي قصة تلاحم وتكاتف بين جميع مكوناته وتنوعاته من جهة، وبين هذه التنوعات بكليتها مع قيادتها الهاشمية، قصة كفاح فريدة نتج عنها صمود الأردن في الوقت الذي انهارت فيه كثير من الهياكل الكبيرة من حولنا وعادت (50) سنة إلى الوراء.

أيها الشرفاء في كل مكان من وطننا الحبيب وجل الأردنيين شرفاء، قد نختلف على أشياء كثيرة لكننا بالتأكيد نتفق على الوطن والعائلة الهاشمية، فلنصبر حتى ينقشع الغبار ونتجاوز الحالة الأمنية الراهنة ويتحرر الجميع من الضغط، ثم نتحاور ونناقش جميع الملفات بهدوء وروية، وحتما سنصل إلى حلول، كيف لا ونحن من منتجي الديمقراطية ومصدريها في هذا الإقليم.

حمى الله الوطن وقيادته الهاشمية وشعبه من كل سوء.