طويل شهاق "منارة العرب" في البادية
عبدالرحيم العرجان
19-12-2022 09:56 AM
جبل منارة العرب طويل شهاق، وهو جبل مخروطي ذو هيبة وسط تموجات كلسية، يقع في معان الكبرى في محافظات المملكة من الشرق للطريق الصحراوي.
بدأت رحلتنا من الطريق الدولي، حيث سلكنا الطريق الترابي المحاذي لخط أنابيب مياه الديسي، حتى لاح لنا الجبل من بعيد بعد قطع مسافة (24 كم) ضمن منطقة الحسا، أما للشرق من جرف الدراويش، ستجد محطة القطار الحجازي واستراحة الحجيج، ليظهر لنا الطود الشامخ كما كان يظهر ويرشد العابرين بارتفاعه الشاهق ما بين الجزيرة وبلاد الشام، ووصولاً لـ"ثلثوات -الجبال الثلاثة" وآبار باير، ومن هنا جاءت التسمية "منارة العرب" من باب الصفة والتشبيه.
وله من حكايا البادية الكثير؛ فبه تموجات كلسية تركها البحر القديم قبل أن يجف، إضافة لترسب بعض من مستحثّات الأحياء التي كانت قد عاشت عليه، وخام لكنز كبير من الفوسفات العمود الأساسي لصادرات صناعة التعدين الأردنية والمتجانس مع الجير والصخور الطباشيرية من المارل الأبيض والزهري والأسود، حيث يعتلى عليها طبقة من شظايا الصوان.
وبالرغم من البرد الشديد في ساعات الصباح الباكر والهواء، كان جمال الجبل يشدنا للوصول إليه متناسين برد صباح البادية القارص، فما أن ارتفعت الشمس حتى اختفت تلك البرودة سريعاً، متبخرة من رطوبة الأرض. أما مقياس صعوبة الدرب، فيمكننا القول بإنه سهل الوصول بحذر، حيث اتجهنا لقاعدة الطود الذي يعد مكان خلوة واستجمام لأبناء المكان وذلك لهدوء نهاره وسحر ليله، وقد صادفنا هناك تخييم لعدد من أبناء المنطقة، بحفاوة ترحابهم العربي الأصيل وحديثهم وتعريفهم به باسمه المحلي "طويق شهاق".
أكملنا الحديث معهم، لنبدأ بعدها بالصعود وبروح الفريق وقيادة من سبقنا، اكتشفنا كل ما يجول في هذا المكان، وهنا يمكننا القول أنه مستوى الصعود يعتبر متوسط الصعوبة، فلا بد الحذر من عدد مقاطعه ذات الصخور الهشة، والتي قد تتكسر عند التمسك بها على حين غرة، وبالتعاون مع الفريق استطعنا تجاوز حدتها في الصعود و النزول، باعتبار درب الوصول إليه واحد من الجهة الجنوبية التفافاً نحو الشرق والشمال منه، وبذلك نكون قد حظينا بمشاهدة كاملة لأجمل المناطق فيه، وصولاً إلى القمة محدودة المساحة، فكل إنسان في داخله قمة يصبو إليها.
وبهذا الانجاز وبروح الفريق، غرسنا سارية على القمة المرتفعة (1070 م) اعتلاها علم الوطن الذي نعتز به، حيث كانت رحلتنا بالتزامن مع اليوم العالمي للجبال، والذي اعتمدته الأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون الأول من كل عام.
مشهد يثير دهشة كل من عليه، فالتضاريس وجيولوجيا المكان، جرداء ممتد نحو الأفق البعيد، والذي كان يمر بينها الراحلين، فبنظري يمكننا إعادة احيائها لدرب عشاق المسير والترحال وهواة قيادة سيارات الدفع الرباعي والدراجات، لا وبل نقطة استقطاب لتصوير الأفلام السينمائية في استوديو مفتوح، فالمكان مميز بجماله والذي حافظت الطبيعة على عذريتها فيه.
وما بعد هذه الخلوة والنزول من أعالي شهاق -الاسم الآخر للجبل كما هو معروف على الخرائط الالكترونية (Google Map)- سلكنا دربٌ التفافي مغاير عن الطريق الذي أتينا منه؛ لتنوع المشاهد واستكشاف الجديد منه، وفي كل اتجاه هناك ما هو جديد، فأن الذي تتحكم به اعتماداً على قدرتك الجسدية والحالة الجوية التي تحكمها حرارة المكان والذي يمكن اختصاره لغاية (5 كم) بحده الأدنى.
وكون مسارنا لم يأخذ الوقت الكثير؛ فقد لبينا دعوة صديقنا لتناول غذاءٍ تراثي من أطباق المطبخ المعاني، فكان على مائدته الرز الحامض الأكثر شهرة؛ نظراً للحموضة المميزة للبن الجميد فيه، إلى جانب طبق المجللة المعروف والكعك المعاني الطيب المذاق.