ما أسهل أن يختلط الحق بالباطل بمثل الطريقة التي أديرت بها الاحتجاجات في الجنوب وما رافقها من أحداث مؤسفة راح ضحيتها شهداء وإصابات غيلة من أبناء الأجهزة الأمنية. ليس هناك من ينكر أن المطالب المعيشية مشروعة، والكل يتفهمها وهي مطالب جميع أبناء الطبقة المسحوقة في محافظات المملكة. بيد أن الخسارة والله كانت فادحة وثقيلة ولا تعوض أبداً.
ليس هناك من مرارة وخزي وخذلان أكبر من أن يقتل الشريف بسلاح النذل وقاطع الطريق غدراً وخسة وخيانة. أليس هذا ما كان وجرى لكوكبة رجال الأمن الشرفاء في الجنوب الطاهر الصابر. أي حق رفع وأي باطل وضع عندما أزهقت الروح البريئة، ورملت الأخت العزيزة، ووقع اليتم، وما أشده على النفس وأبلى.
نعم، قد نختلف في بعض القضايا الوطنية لكننا أبداً لا نختلف حول الوطن وقدسيته، فما جرى هو تعد صارخ على "هيبة الوطن" عندما تم حرق مقار رسمية وتعطيل الحياة اليومية والأخطر استهداف رجال الأمن العام بالرصاص الحي وهذه والله جرأة ما بعدها جرأة وإفساد في أرض الجنوب الطيبة بأهلها الأطهار الذين يرفضون ما جرى من تصرفات قبيحة وهمجية لا تتوافق مع المبادئ الوطنية السامية التي تشكل رصيد الوطن في كل واحد منا.
سألقي عليكم قولاً ثقيلاً وهو ليس أثقل مما تقومون به من حرق وسفك للدماء وانتهاك للحرمات، وما جرى ليس له أي علاقة بالمطالبة المعيشية والاجتماعية التي يمكن الوقوف عندها وحلها عبر تفاهمات اللجان المشتركة مع النواب. هذا أمر أوله شرر وآخره نار لا تبقي ولا تذر والكل حصادها ووقتئذ لن ينفع الندم. لنذهب إلى كلمة سواء بيننا وبينكم نتدبر ونحتكم إلى لغة العقل والحوار والوطنية الحقة صيانة للدين والدم والحفاظ على اللحمة بين أولي القربى. ها هي الساحات الملتهبة من حولنا حاضرة مذكورة لا تحتاج إلى تذكرة. فالشقاق والمنازعة لا تجلبان غير الدمار والويلات، وما وقع أمس كان أكبر شاهد وفجيعة الكل كان فيها خاسر.
أحسنت الأجهزة الأمنية بإيقاف عمل بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت حجر الرحى في تأجيج المشاعر بطريقة لا تخلو من خبث ومكر منذ اليوم الأول على بدء الاحتجاجات، وهي دائماً وأبداً السلاح الأخطر والأقذر في بث الأراجيف ونشر الخراب، وللاسف هناك من يتصيدون الأخطاء والزلات في هذا البلد ويعيشون بيننا ولطالما أكلوا وشربوا من خيراتها، فلنحذر ونحاذر من هؤلاء، ومما سيكون وهذا ما يجب أن يتدبره كل عاقل، والفطنة على أي حال لا ترجى إلا في الملمات والنازلات. وقد خاب فأله من ظن أنه بهذه الأفعال الشنيعة يكسب ويغنم على حساب الوطن.
ونحن نطالب بإعدام قتلة الشهيد الدلابيح، وإيقاع أشد العقوبات في حق من تسبب بجرح وإصابة نشامى الواجب يجب علينا أن لا نملّ من محاولات استرجاع أبنائنا ممن تم التغرير والزج بهم في مواجهة إخوانهم رجال الأمن، وإيجاد مراجعات من شأنها أن تشافي الجرح النازف الذي آلمنا أشد إيلام.
أيضاً، الحكومة مطالبة بأن تقدم بعض التنازلات لتفكيك الأزمة وحالة الانسداد من أجل رأب الصدع، وإيجاد صيغ مشتركة لوأد الفتنة التي يتسبب بها هؤلاء على قاعدة لا خاسر والكل كسبان. وأن لا تكرر سيناريوهات حكومات سابقة في ظروف مشابهة، ما زالت آثارها في الذاكرة لم تندمل.
وإذا كان الاختلاف في الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة، فإن قضيّة الوطن تظل دائماً هي الاستثناء، باعتبارها القضية الأم التي لا بد من الالتفاف حولها، ومغادرة مساحات الخلاف في القضايا الكبرى، وإيجاد صيغ للتوافق والتفاهم على كافة المسارات في الشأن المحليّ والابتعاد عن الصدام المؤذي ومعكّرات الصفو العام المهلكة. وهنا قول واحد نبذ كل ما من شأنه الإخلال بالوحدة الوطنية بكافة أشكالها والحفاظ على مرتكزاتها بمفهومها الأعم الأشمل.
أخيراً، هذا البلد الطيب الآمن المأمون بجهد كل محب، هو بلدكم حافظوا عليه واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا ولا تكون كمن نقضت غزلها من بعد قوة، وتكونوا بالتالي سماعون لصوت الآخر المؤذي وناعون لصوت الحق .. ما طيب العيش من بعدك يا وطني؟.