فن البونساي فناً يابانيا يَعنى بتقزيم الاشجار من خلال غرسها وتربيها في آصص، وأما الغرض الرئيسي من البونساي فهو تقزيم الأشجار العملاقة وتحويلها لنباتات زينة والتمتع بمشاهدة هذه الاشجار وليس إنتاج الغذاء، والبونساي في الأساس شجرة غابية أو بستانية عملاقة يمكن غرسها لتنمو مقّزمة في آصيص أو وعاء بحيث يتم المحافظة على صغر حجم الشجره بطرق التقليم لأنها ليست قزمه وراثياً وإنما من خلال إخضاعها لسلسة من العوائق الميكانيكية للتنمو كذلك، وعلية فالتقزيم لغةً واصطلاحاً هو من الأصل اللغوي قَزُّمَ؛ وتقزيم الشيء أي صغُّرَ وتضاءل وإنحسر حجمة.
منذ بداية الألفية الجديدة (القرن الحادي والعشرين) أُنتُهج نهج جديد في الأدارة والسياسة بحيث أن أصبح لكل وزارة سيادة صنو يعمل وينفذ ويخطط في نفس إختصاصها فتتوافق الصلاحيات حيناً وتتشابك وتشتبك حينا آخر وتتعارض أحياناً آخرى؛ فنجد على سبيل المثال وزارة للطاقة وهيئة للطاقة وكذلك وزارة للسياحة وهيئة للسياحة وأيضاً وزارة للنقل وهيئات للنقل وهكذا دواليك.
ومن الجدير ذكره أنه أينما طُبق هذا النهج في أي قطاع كانت تعلوا وتتعالى الصيحات وتكثر المطالبات بتصحيح المسار من كثرة الأيدي التي تُدير. ولحصافة هذا النهج الإبداعي في الإدارة إمتد منها ليصل الى السلطات السيادية فمن الوزارات الى سلطات الدولة ليتم إنشاء مجلس للأمن الوطني له من الصلاحيات ما يجعله أعلى من السلطة التنفيذية والتشريعية وأدنى من الملك.
إختطَ المشّرع الأرني نهجاً محموداً في بداية تأسيس الدولة بأن نص الدستور الأردني في مادته الأولى على أن نظام الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي؛ ولتفصل هذا المبدأ الدستوري جاءت المادة 24 لتبين أن الأمةَ هي مصدر السلطات وتمارس الأمة سُلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور، والنيابة كطريقة إختطها المشرع الاردني كشكلٍ لنظام الحكم تأتي بمعنى أن الأمة تمنح سلطاتها لممثليها ليمارسوها بالنياية وهو ما يتفق ونص المادة 24 ؛ وكذلك أن أحد أعمدة الحكم في الأردن هو مجلس الامة؛ وعلى ذلك فصّل الدستور الاردني إن السلطة التشريعية تُناط بمجلس الأمة والملك ويتألف مجلس الأمة من مجلسي الأعيان والنواب.
إن هذا المبدأ الدستوري يُعتبر الركن الأساسي للديمقراطية حيث أن الأمة بما أنها دافعةٌ للضرائب فلها حق التمثيل والمشاركة في رسم السياسات وتشريع القوانين. إلا ان المتابع للاحداث الاخيرة في الوطن يرى التقزيم الذي وصلت الية السلطات السيادية في البلد حيث ان الحكومة صانعت الازمات اختفت عن المشهد ومجلس الامة المُعبر عن ارادتها افتراضياً لا تسمع له الا فحيحاً دون القدرة على ان يمارس صلاحياتة الدستورية مما جعل منه هيكلاً لا اكثر يجلس في جمهور المتفرجين على الاحداث فتجدة يندد حيناً ويبرر السياسات الحكومية حيناً اخر ؛ فانتقل من كرسي الرقابة والمحاسبة للحكومة الى ان يكون البوق الاعلامي للحكومة رغم كل الرفض الشعبي لاجرائاتها وسياساتها.
المشهد الاردني في الايام الاخيرة شكل موضع نقاش محلي واقليمي ودولي، وبالقطع فان كل مستوى من المستويات الثلاثة ينظر للمشهد من زاويته الخاصة، فالمحلي مشغول في بعده المركزي بهموم يومية تتركز في الفساد والاوضاع الاقتصادية والديمقراطية ، بينما ينشغل الاقليم بانعكاسات ذلك على الاستقرار الاقليمي بشكل عام وعلى خصوصيات علاقات دول الاقليم بالاردن كل منها على حدة، بينما ينشغل المستوى الدولي بحجم ومكانة الاردن في استراتيجية هذا المستوى بخاصة الدول الكبرى .
وكما تشكل هذه المستويات الثلاثة فضاء للحركة الدبلوماسية الاردنية، فانها تنطوي احيانا على قيود بعضها شاخص في الواقع الحاضر، وبعضها تمتد جذوره في عمق التاريخ بينما يتطلع ثالثها الى مستقبل يتراوح بين القلق وعدم اليقين .
في ظل صورة مربكة ومرتبكة ارى ان المشكلة في حكوماتنا ان الوزير قد يفشل فشلا ذريعا، لكنه مطمئن ان احدا لن يحاسبه او يكشف فشله، وقد يعود للوزارة ثانية مع اننا لا نعرف ماذا انجز واين فشل؟، إن رئيس وزراءنا ووزرائه يشبهون طيور حمام المدن، لها عش واحد تضع فيه بيضها لكن برازها تنثره على كل سطح يحلو لها....ربما.
وبما انه تم انشاء مجلس للامن الوطني له من الصلاحيات التي تعلو كل السلطات والذي كان من التفسيرات الموجبة لتأسيسه هو ضبط الأيقاع لسلطات الدولة؛ والمجلس حسب الأسباب الموجبة لتأسيسة كذلك يختص بالشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وهي مرتكزات أساسية تسعى أي دولة إلى الحفاظ عليها، بعيدا عن التداخل في الأدوار وتنازع السلطات في تحقيقها، فأين دور هذا المجلس في هذه الازمة التي عصفت بكل ارجاء الدولة راسياً وافقياً؟، فلهذا المجلس صلاحياتٍ تنفيذية وليس إستشارية ، فمجلس النواب لم يمارس صلاحياتهُ الرقابية والتشريعية ولم يحاسب ويتابع الأنجاز الحكومي إلى أقصى حدٍّ ممكن ليتمكن من مكافحة الفساد وإصلاح الشأن الداخلي وزإلة الترهل؛ فهذه الازمة هي الزمان المناسب ليظهر دور مجلس الامن الوطني باتخاذ قرارات حازمة تلبيةً للمطالبات الشعبية.
وبناء على ما سبق وبالأخذ بنص المادة 45 من الدستور الأردني والتي تنص على أنه "يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي قانون إلى أي شخص أو هيئة أخرى". وبما ان مجلس الوزراء تخلف عن القيام بدورة الدستوري واختفى كل اعضاءة بما فيهم الرئيس عن المشهد الوطني قي اوج الازمة ؛ وبما ان الدستور نص على وجود مجلس للامن الوطني فإنه من الأولى الآن أن يمارس هذا المجلس دورة ويتخذ من السياسات والقرارات ما يحفظ أمن الاردن واستقرارة.
رحم الله الشهيد الدكتور عبدالرزاق الدلابيح وجميع شهداء الوطن وحفظ الله الوطن من كل مكروه فالوطن ليس بيتاً نسكنه؛ بل معنى يسكننا.