الذين استثمروا بغضب الناس
د.مهند مبيضين
18-12-2022 12:42 AM
أعاد الاحتجاج والاضراب والتجمهر والتخريب، الشهوة لمن يريدون الصعود مجددا للواجهة، متسرعين في تبني كل المطالب والمواقف، ومنددين بسياسات الحكومة، كل هذا ممكن في الإطار السلمي، لكن ان يقول احدهم على الملك أن يقوم بكذا وكذا ويرتب الاجندة الملكية، فهذا تعدٍّ وتخطٍّ للياقات. وأن يقول احدهم نحن ملامون امام الجمهور، لذا عليكم التحرك، تلك عملية تحريضية منظمة لاقتياد المجتمع للفوضى.
ماذا كانت النتيجة؟ مزيد من الغضب والتخريب، ثم كان مقتل الشهيد العقيد عبدالرزاق الدلابيح، واصابة زملاء له في ظل اداء واجبهم، وهو حادث اعلن صراحة انحراف الاضراب عن مساره، وإن كان هناك مواقف اخرى أشارت مبكرا لذلك.
الحكومة قالت كلمتها، تطبيق القانون غاية وأساس، ولا مانع من التعبير السلمي، ولكنها غير قادرة على تلبية كل مطالب المحتجين، وقدمت تنازلات معقولة في ظل ماليتها الصعبة.
لا يمكن فصل الاحداث الجارية في الأردن عن طبيعة مركبات التحديات التي تمر بها البلد، وعلى رأسها الظرف الاقتصادي، والحرب على المخدرات، وتعقيدات الواقع الإقليمي لعمليات الشحن والتجارة الدولية في ظل ازمة عالمية راهنة.
ما معنى ان يذهب مثقفون ورجال مؤسسات وقادة احزاب إلى جمهور غاضب وحثه وتأييده، تلك مسألة مهمة يجب مناقشتها حين تريد بعض النخب تصدر المشهد، وربما تمنح الشرعية لاي فعل معارض بوعي او بدون وعي، تلك حالة سادت في ظل الربيع العربي، ومر على الاردن تجربة مقيتة في استثمار النخب بغضب الناس والصعود على اكتافهم، وهي مسألة لم تعد تنطلي على الدولة.
الجهمور الذي احتج لظروف معيشية، بلا شك هو منفصل عن كل ذلك التحريض القادم من عمان ومكاتب بعض المؤسسات الممولة دوليا ومن الحسابات الخارجية عبر فضاء السوشيال ميديا، ولا رغبة عنده بتطور المشهد للمزيد من التعقيد، وهو بمثابة اضراب مطلبي، وقادة الإضراب رجال وطن يرتزقون من تعبهم وكدهم ويحبون وطنهم، لكن للأسف ما حدث نزع كل الضوء عن مطالب المضربين، وهذا ما اضر بمصالحهم ومطالبهم، وحول اضرابهم من موقف مطلبي إلى موقف العنف والتخريب.
للإضراب والتوقف عن العمل شرعيته ما دام في إطار القانون، ولكن حين يحرق صراف آلي وتدمر مركبات حكومية وخاصة وتزهق الأرواح، فإن الدولة سوف تتحرك لفرض سلطة القانون.
أخيرا، يكفي استثمارا بغضب الناس، فالحكومة مضطرة لا مختارة في اجراءاتها، والمضربون لديهم الصدقية في شكواهم من الظروف الاقتصادية، لكن المنظرين والداعين لمزيد من العنف واقالة الحكومة، هم من يصبون الزيت على النار .
(الدستور)