الإصلاح الاجتماعي مرة أخرى
د. أحمد يعقوب المجدوبة
18-12-2022 12:38 AM
نُؤكّد من جديد، في السّعي نحو التطوير والتجويد والتقدم، على أخذ الإصلاح الاجتماعي بعينِ الاعتبار، وإعطائه الأهمية التي يستحق، ذلك لأنّه يُمثّل – في تقديرنا – العامل الحاسم في النقلة المرجوة.
لا أحد يَشك، أو يُشكّك، في أهمية الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، فلكل من هذه الأمور دور كبير في دفع عجلة التقدم إلى الأمام، إذ يرتبط الأول بنوع الحوكمة التي نريد على المستوى الوطني ومستوى المحافظات، ويرتبط الثاني بالكفاءة في إدارة العمليات والموارد، على نحو يخدم تحقيق الأهداف المرسومة بدقة ونجاح، ويرتبط الثالث بتحقيق نسب النمو الاقتصادي المنشودة وانعكاساتها المباشرة على حياة المواطن.
العمل على كل هذه الجبهات، وغيرها، مُهمّ. وقد أحسنت الدولة في التّنبه وأخذ زمام المبادرة واقتراح الصِيَغ والخطط التي من المؤمل أن تُحقق ما نصبو إليه من نجاح على مستوى السياسة والإدارة والاقتصاد.
بَيْدَ أن الإصلاح الاجتماعي، وهو مُكمّل لما ذُكر أعلاه وحاسمٌ في القفزة الكليّة المنشودة، ما زال بحاجة إلى عناية أكثر بكثير من التي تُعطى له حالياً، والتي لا ترقى في أحس أحوالها إلى الحد الأدنى المطلوب.
المجتمع هو الرّكيزة الأساسية في التّقدم، وقد أشار العديد من العلماء إلى أنّ النقلة التي حدثت في عدة دول متقدمة تُعزى – بدرجات متفاوتة – للصناعة والتجارة والتكنولوجيا والعِلم؛ لكنها تُعزى، في المقام الأول، للحالة الاجتماعية والثقافية في تلك الدول.
فالتقدم الذي نشهده في الدول المتطورة، سواء تلك التي حققت ذلك قديماً أم مؤخراً، تقف وراءه القيم الحميدة والأخلاق والانضباط والسلوك المسؤول والانتماء والإعلاء من شأن الاتقان والصالح العام.
لا بل إنه بعضهم يذهب إلى أنه مَهْما أتينا من خطط سياسية وإدارية واقتصادية وتقنية وعلمية فلن يُكتب لها النجاح المرجو إذا لم تكن الحالة المجتمعية سليمة وصحيّة ومُواتية.
يضاف إلى ذلك أن التغيير يصنعه السّاسة والإداريون والاقتصاديون، وغيرهم؛ لكن التغيير يصنعه الأفراد – المواطنون – كذلك. وهذا أمر لا بد لنا من التّنبه له، حتى تكتمل الصورة عندنا، ولا تبقى منقوصة.
ومن هنا تأتي أهمية الالتفات للعامل المجتمعي.
وهذا العامل بحاجة إلى عمل محترف ومُتقن على بُعدين:
الأول ويتعلق بمعالجة السلبيات والعِلَل المجتمعية، المُتجذّرة في سلوك الأفراد والجماعات على المستوى اليومي، مثل التواكل والتراخي في أداء الواجب والبَلادة والخروج عن التعليمات والقوانين وإيذاء الغير والاعتداء على البيئة والنّفاق والغش وغيرها من عادات وممارسات دخيلة.
إن مثل هذه السلبيات كلها بحاجة إلى تصفير، أو تقزيم بأدنى حد، حتى لا يكون سلوك الفرد والجماعة معيقاً للتغيير الإيجابي.
أما البعد الثاني فيتمثل في الإعلاء من شأن القِيم والمهارات الإيجابية التي تكون عوناً لنا فيما نصبو إلى تحقيقه. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، إتقان العمل والصّدق في الأداء واحترام التعليمات والقوانين والالتزام والانضباط والسّلمية في التعبير عن الرأي والسلوك الحضاري في التعامل مع الاختلاف، ثم الرّيادة والابتكار والإبداع والتنافس الإيجابي وغيرها من قيم ومهارات لن نتقدم بدونها.
ولعلّنا بحاجة إلى خطة تنفيذية مُحكمة، على هذا البُعد، يُساهم في إعدادها وتطبيقها المحترفون.
(الراي)