السفينة الأردنية "دينا" ودعم الثورة الجزائرية
د.حسن عبد الله العايد
02-11-2010 12:32 PM
يحتفل الشعب الجزائري في الأول من تشرين ثاني (نوفمبر) من كل عام بالثورة المليونية التي قدمت للعالم نموذجا من الارادة التحررية الوطنية ، فالجزائر لديها ما تفخر به فكما تفخر بعض الدول في ارثها واثارها العظيمة يحق للجزائريين ان يفخروا بثورتهم التي علمت الامم الثورة والحرية .
فلدى الأشقاء الجزائريين تضحيات وبطولات يروها لأبنائهم ولشعوب العالم لأبطال أمثال مصطفى بن بولعيد و ديدوش مراد و كريم بلقاسم و رابح بيطاط والعربي بن مهيدي ,وغيرهم الكثير ممن خلدهم التاريخ ، وممن تعرفهم جبال وهضاب وسهول وأودية الجزائر .
لقد واجهت الثورة الجزائرية منذ اندلاعها مشكلة التسليح الذي تسبب نقصه في جعل الانطلاقة تكون متواضعة في معظم ولايات الوطن، وانطلاقاً من هذه الوضعية، كان الشغل الشاغل لقادة الثورة تأمين الحصول على السلاح حتى لا تخمد الثورة في مهدها.كما واجهت القمع والقتل والتنكيل بالثوار والابرياء أيضا.
فالسلاح هو عصب الثورة، وهو في كثير من الأحيان المحدد لنتائج المعارك ولمصير الأفراد والشعوب. وما كانت هذه المشكلة لتطرح لولا كثرة الملتحقين بالثورة، واتساع قاعدتها الجماهيرية. ومن خلال استعراض أرقام الملتحقين بالثورة، تتضح الحاجة الماسة إلى السلاح، فمن بضع مئات من المتطوعين في عام 1954 م ، ارتفع العدد مع بداية عام 1955 إلى أكثر من 3000 مجاهد ، ثم ارتفع العدد إلى 40 ألفاً في عام 1956 ، ثم إلى 100 ألف في سنة 1958 م، ليصل حتى نهاية 1959 إلى أكثر من 130 ألف مجاهد .
لقد أصبحت مشكلة السلاح من المشاكل الملحة التي عملت جبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج على إيجاد حلول لها، حتى لا تنتكس الثورة وتتراجع وتتقهقر . ومن أجل ذلك، لجأ قادة الثورة إلى كافة الوسائل للحصول على السلاح من الدول الشقيقة والصديقة ومن السوق الدولية للسلاح ، وتطلب ذلك أموالا طائلة لا قبل لرجال الثورة بها ، فلجوء إلى التبرعات والمساعدات من الداخل والخارج ، وكثفوا أنشطتهم على كافة الأصعدة لتأمين كل ذلك .
لقد نشطت قيادة الثورة في وضع الخطط، وتكوين شبكات تتولى مهمة الحصول على السلاح من أوروبا، وإيصاله إلى المنطقة الغربية من البلاد. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت إدارة الاتصالات الخاصة بالمعلومات. وقد عين على رأسها محمد الرويعي، وكانت مهمتها الأساسية منحصرة في البحث عن السلاح، وتهريبه إلى الداخل. وقد سجلت نجاحاً معتبراً في ميدان تهريب السلاح .
وتمكن جيش التحرير الوطني من الحصول في السنة الأولى للثورة على بعض الأسلحة الحديثة التي جاءته من الخارج ، خصوصا من مصر والمغرب وبعض الدول الاشتراكية . وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على دقة التنظيم والسرية التامة التي كان يتحلى بها المجاهدون والذين نجحوا في تجنيد كل معارفهم وخبراتهم من أجل إنجاح المهمة التي أوكلت إليهم من جهة، والدعم والمساندة التي كانت الثورة تلقاها من جهات عربية و من خلال سائل إيصال السلاح إلى داخل الحدود الجزائرية عن طريق البر ،عملت شبكة الاتصالات على ابتكار وسائل متعددة بهدف إدخال السلاح إلى التراب الوطني. ومن أهمها صناديق الخضر كالبطيخ: (الدلاح) و قلل الفخار (الجرار الكبيرة) و خزانات وقود السيارات، و نجح قادة الثورة بواسطة الوسائل المذكورة سابقاً، وبمساعدة الدول العربية ومواطنيها، في إيصال كميات هامة من السلاح والذخيرة لأفراد جيش التحرير الوطني العاملين في الوطن.
ومن ضمن التبرعات العربية للثورة الجزائرية نستذكر السفينة الأردنية " دينا " والتي أشرفت عليها الأسرة الهاشمية بقيادة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال رحمه الله . وقد أرسلت هذه السفينة المحملة بالأسلحة الأردنية من مدينة الإسكندرية محملة بـ 16,5 طن من مختلف الأسلحة. وقد وصلت إلى أحد موانئ منطقة مليلية المغربية في مارس 1955 م، وأفرغت حمولتها في الميناء . ومن ضمن الأسلحة الأردنية المرسلة : مدافع رشاشة ثقيلة، وبنادق رشاشة خفيفة من نوع طومسون، وبنادق عشرية 303 إنكَليزية الصنع وصناديق الذخيرة. ورافق هذه الشحنة من الأسلحة والذخيرة ضباط جزائريون نذكر منهم السادة هواري بومدين وعبد القادر شنوف وسي الصديق ... الخ.
وقد كان لوصول هذه الشحنة من الأسلحة إلى المنطقة الغربية دور هام في تنشيط الكفاح المسلح بهذه المنطقة التي شهدت تأخراً في الانطلاقة، نظراً لقلة السلاح بها. وإضافة إلى السفينة الاردنية "دينا"، وصلت الباخرة فاروق إلى مياه الناضور المغربي في سبتمبر سنة 1956 م محملة بمختلف الأسلحة التي أدخلت إلى الجزائر بواسطة قوارب الصيد وعلى ظهور البغال، نظراً للخطر القادم من الحدود المغربية.
ولم يكن ذلك ممكناً لولا وقوف الدول الشقيقة والصديقة إلى جانب الثورة الجزائرية، وإمدادها بما تحتاج إليه، إضافة إلى قيام دول أخرى بتسهيل عملية نقل السلاح والذخيرة إلى داخل الجزائر حتى يتمكن المجاهدون من الحصول على السلاح، وبالتالي مواجهة العدو وتحقيق أهداف الثورة. ولقد تحقق الحلم الجزائري بالحصول على الاستقلال .
نعم هكذا تكون إرادة الشعوب لا تعرف المستحيل وتقدم التضحية تلو التضحية حتى تصل لمرادها " الحرية والاستقلال والسيادة "، وقد وصل الجزائريون إلى مرادهم وهو الاستقلال والذي تم لهم في الخامس من سبتمبر من عام 1962 ، وعلى اثر ذلك أعلن الجنرال الفرنسي شارل ديغول ميلاد الجمهورية الجزائرية بناء على استفتاء تقرير المصير ، ومغادرة مليون فرنسي الأراضي الجزائرية .
hasanayed@yahoo.com