: الحلقة الخامسة عشرة كانت بلاد الشام والعراق أرضا عربية خالصة ، وكان العرب يقيمون بالشام ومن بينها الأردن ؛ قبل غزوها من قبل الروم ، وعندما جعل الإمبراطور قسطنطين الديانة المسيحية دين الدولة ، في أوائل القرن الرابع للميلاد ، اعتنق عرب الشام المسيحية دينا لهم .
وقد منح الرومان الغساسنة الحكم الذاتي في بلاد الشام ، وأصبح لهم ملكهم الخاص ، فقد أصبح أمير غسان ملكا على العرب في الأردن وجنوبي سورية ، وكانت عاصمتهم بصرى ، أما آخر ملوك الغساسنة فهو جبلة بن الأيهم الذي أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد تطلع المسلمون نحو الشام لفتحها ، فقد أرسل الرسول (ص) سلسلة حملات إلى الشام إلى جنوبي الأردن وشرقيه إلى ناحية وادي السرحان .
وفي سنة 626 م اليوم التاسع والأربعين من الهجرة ؛ قاد النبي حملة مؤلفة من ألف رجل إلى واحة دومة الجندل أو الجوف ؛ إذ كان بدو هذه الواحة يتعرضون للقوافل التجارية ، التي كانت تسير بين المدينة وسورية ، بالإضافة إلى إدراك النبي لأهمية الجوف العسكرية ، فهزم الرسول (ص) البدو وغنم المسلمون متاعهم ، بعد أن مر النبي في طريقه إلى الشام بتبوك والحوصا وبنى بهما مسجدين .
وفي السنة السادسة للهجرة عام 626 م بعث النبي (ص ) حملة أخرى مكونة من 700 رجل بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى الجوف ، فتغلب ابن عوف على بني كلب حول البلدة ، واخذ الجزية منهم .
وفي تشرين الأول عام 629 م 8 هـ أمر النبي عمرا بن العاص على 330 مقاتل ، وأرسلهم يستنفرون العرب لغزو الشام ، فوصل عمرو إلى ماء بأرض جذام في البلقاء بشرقي وادي الأردن يقال له السلسل ، وقد سميت الغزوة فيما بعد بغزوة ذات السلاسل نسبة إلى الماء الذي جرت بقربه المعركة ، فقد تناهى إلى مسامع عمرو عظم الجيوش الرومانية المرابطة لجيشه فتخوف ووجل ، ولم تؤازره القبائل التي وعدته فطلب مددا من المدينة ؛ فبعث يستمد مددا من المدينة، فبعث إليه النبي بمائتي رجل ، فيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، يقودهم أبو عبيدة عامر بن الجراح ، فتقدم الجيش في ارض بني عذرة وبلي واخضعهما ، ثم تقدم عمرو إلى جموع الروم فهزمهم وألجأهم إلى الفرار ، ثم كتب للنبي (ص) كتابا يبشره فيه بالنصر وقفل راجعا إلى المدينة .
وفي صيف 630 م 9 هـ بعث النبي حملة صغيرة لاستطلاع تخوم الروم ، فتبين أن الإمبراطور هرقل ؛ يحشد القبائل البدوية التابعة والموالية على الحدود ، فقرر النبي غزوهم فأعلم أصحابه بوجهته ، وكان ذلك في عام شديد القحط شديد الحر ، فانضوى تحت لواء النبي عشرون ألف راجل وعشرة آلاف فارس . وتوجه النبي بالجيش إلى تخوم الروم في البلقاء في أيلول ، وما أن وصل النبي بجيشه إلى تبوك ؛ حتى أرسل خالد بن الوليد بسرية إلى دومة الجندل ، وأخرى بقيادة حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر الأحمر قرب العقبة ، وثالثة بقيادة سعد بن أبي وقاص إلى وادي الخرار من بلاد الأردن ، ورابعة إلى نخلة بين الطائف ومكة بقيادة عبد الله بن جحش بن رئاب ، ثم أرسل النبي كتابا إلى يوحنة بن رؤبة أمير أيلة أي (العقبة ) يعرض علية الإسلام أو الجزية ، فأتاه أميرها يوحنة بن رؤبة إلى تبوك حاملا الهدايا الثمينة ، ودخل في عسكر النبي وهو لابسا صليبه الذهبي ، فبش النبي في وجهه وأكرمه ، وجعل بلالا المؤذن يقوم على خدمته ، ثم كتب النبي له عهدا جاء فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذه أمنة من الله ومحمد النبي ورسول الله ليوحنة ابن رؤبة وأهل أيلة ، سفنهم وسياراتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة محمد النبي ، ومن كان معهم من أهل الشام واليمن وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثا فانه يحول ماله دون نفسه ، وانه طيب لمن أخذه من الناس ، وانه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر . كتبه جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بأمر رسول الله (ص ) في السنة التاسعة للهجرة .
وبعد أن فرض النبي 300 دينار جزية على أيلة أي العقبة ؛ أهدى يوحنة عباءة من صنع اليمن ، وأذن له بالعودة إلى بلده . وقد ظلت هذه المعاهدة نافذة زمنا طويلا ؛ حتى أن الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي حكم من 717- 720 م 99- 101 هـ أبى أن يزيد الجزية على أهل أيلة أي العقبة وأبقاها كما وضعها النبي (عليه السلام) .
- ثم أتي النبي (ص) أهل اذرح من بلاد الشراة في البلقاء بالأردن، وصالحوه على مائة دينار . وجاءه أيضا أهل الجرباء ، وأهل مقنا ، على ربع عروكهم - أي الخشب إلي يصطادون عليه - وغزولهم ، وربع كراعهم وحلقتهم ، وعلى ربع ثمارهم ، وكتب لهم النبي كتابا بذلك كتبه علي بن أبي طالب بين يدي النبي . وبعد إن مكث النبي عشرين يوما في تبوك قفل راجعا إلى المدينة ، ينتظر أخبار حملة خالد بن الوليد إلى دومة الجندل ، حيث تمكن خالد من اسر أكيدر دومة ، وفرض عليها جزية ؛ 2000 حمل 800 راس ماعز و400 درع حربي ، وقد اسلم أكيدر أمام النبي فكتب له النبي كتابا ، إلا أن أكيدر ارتد عن الإسلام .
وكان أول من قاد حملة عسكرية مهمة إلى بلاد الشام في عهد أبي بكر خالد بن سعيد بن العاص ، ولم يتمكن من تحقيق إنجاز ملموس فتولى قيادة الجيش عكرمة بن أبي جهل ، أما فتوح الأردن فقد تأجلت إلى آن جاء خالد بن الوليد من العراق ، فدخل شرحبيل بن حسنة البلاد وحرر الأردن من الحكم البيزنطي نهائيا ، أما عمان ففتحها يزيد بن أبي سفيان، وكانت آخر معارك المسلمين في شرقي الأردن ؛ معركة اليرموك ثم موقعة فحل .