ظاهرة "الإسلام فوبيا" والتي توسعت لتصبح "عرب فوبيا" شكلت محورا فاصلا على كل المستويات في الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر الأسود عام 2001 ، وطبعا لم يقصر الإعلام المرتبط بلوبيات جماعات المصالح في تهويل هذه الظاهرة وترسيخها حتى فترة طويلة ، ولا داعي هنا الى أن نكرر الدعوات نحو تشكيل لوبيات وجماعات مصالح عربية هناك في أمريكا لأن مجرد البدء بتشكيل نواتها يحتاج ترتيبات معقدة جدا نظرا لتعقيد المجتمع الأمريكي نفسه ، لكن هذا لا يمنع أن نبدأ على الأقل.
لكن ، أن تبدأ الظاهرة في الانتشار في أوروبا ، وهي حسب تصنيفات اليمين الأمريكي تعد من العالم القديم ، ونحن نشاركها ثقافة هذا العالم ، فهذه قضية تستحق الوقوف عندها ثم التحرك صوبها بشكل إيجابي.
في أوروبا ، بدأت نظريات عجيبة تذكر بجنرالات قناة فوكس الأمريكية وتتحدث هذه النظريات عن "احتلال الأقليات" و"أسلمة أوروبا" ، بل والحديث يتطرف ليصير محوره "نهاية العرق الأبيض في القارة البيضاء"،، إذا كانت هناك أصوات متطرفة وشوفينية في أوروبا استطاعت أن تبلغ بصوتها هذا المستوى المرتفع لتشكل ظاهرة - حتى لو كانت صوتية - فإن الخلل في التواصل مع الأوروبيين في هذه الحالة يكمن فينا كعرب ، لأن أوروبا تنصت جيدا ، ولديها خبرة بالممارسة التاريخية مع عالمنا وقنوات الاتصال الفكري والثقافي مبسطة في أبجدياتها أكثر من العالم الجديد وبلاد العم سام المرتبك مع ذاته قبل أن يرتبك مع بقية العالم.
نفهم صعوبة الوصول إلى العقل الأمريكي نظرا لوجود عراقيل وحواجز عالية أكبر من الفاصل الأطلسي نفسه بيننا وبينهم ، ونعني هنا اختلاف أنماط التفكير وتحكم وسائل الإعلام في تشكيل الصور النمطية وسيطرة جماعات المصالح على تفاصيل الحياة برمتها هناك ، باختصار ، هناك بنية كاملة على شكل حصن منيع لا بد من اختراقه للوصول إلى "بوب" الأمريكي ، وبوب هنا يمثل أكثر من مائتي مليون دافع ضرائب في العالم الجديد ، وبوب هذا لا يستطيع أبدا أن يفرق بين أسامة بن لادن والسيد حسن نصرالله ، ولديه قناعة أن صدام حسين كان مختبئا في كهوف أفغانستان.
لكن في أوروبا ، الوضع جدا مختلف ، ونمط التفكير فيه قابلية لقبول الفكرة ونقيضها ضمن سياق منطقي ، ويبدو ان هذا السياق مقطوع من طرفنا ، ومن هنا وبالضرورة فإن الفكرة "المشوهة" إذا تم طرحها ولم تجد نقيضها الذي يجهضها فستصبح حقيقة ، وهذا يعني أيضا وبالضرورة أننا فقدنا الإرسال في عملية الاتصال والتواصل مع القارة البيضاء.
الأكثر إثارة في الموضوع ، أن معظم الكتب والكتابات المنتشرة في أوروبا هي لأمريكيين استطاعوا دخول العقل الأوروبي وتوجيهه ضد عالمنا العربي والإسلامي ، وفي المقابل فإن تواصلنا الثقافي مع أوروبا يبدو فاقدا للنبض ، وهو التواصل الذي كان مفعما بالحياة في الستينات والسبعينات بل وحتى ثمانينات القرن الماضي.
ثقافة الخوف بدأت تسيطر على أوروبا ، والمتهم "نظريا" هو كل عربي أو مسلم ، والحقيقة تقول أن العربي أو المسلم هو ضحية ماكينة إعلام جهنمية تعمل على سحق صورته وتنميطه في نموذج واحد متطرف لا يقبل النقاش.
الأحرى بنا أن نعيد هذا التواصل الفكري والثقافي مع القارة البيضاء وما بيننا من "تاريخ" يجعل "الجغرافيا" كلها جسرا للتواصل لا جدار عزل ، فلا نحن ولا هم نرغب برؤية ملتحين متطرفين بوجوه غاضبة يتحزمون بأحزمة ناسفة لا في "جغرافيتنا" ولا في "جغرافيتهم" ولا في أي جغرافيا على وجه الأرض.
Malik_athamneh@hotmail.com
الدستور