كل الدلائل تشير منذ سنوات الى ان العجز المتواصل الذي تعاني منه موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" المنبثقة عن هيئة الامم المتحدة, ليس مجرد ازمة مالية ناجمة عن عدم ايفاء الدول المانحة بالتزاماتها تجاه هذه الفئة الصامدة الصابرة من ابناء الشعب الفلسطيني, وانما ذات اهداف سياسية بامتياز تتكشف ابعادها يوما بعد يوم لتمس حق العودة الذي نصت عليه العديد من القرارات الاممية التي تواصلت عبر عقود من الزمن, وظلت تجد على الدوام موقفا اسرائيليا رافضا ومتجاهلا ومعارضا لتطبيقها بدعم من الدول الكبرى التي ساهمت في اصدارها.!
تقليص الخدمات المستمر في مجالات العون الانساني والتعليم والصحة وخدمات المخيمات وغيرها لفئة اللاجئين الفلسطينيين, الذين يبلغ تعدادهم حوالي خمسة ملايين انسان يتوزعون بين الضفة الغربية وقطاع غزة والاردن وسورية ولبنان, يبدو انه يسير بخطى ثابتة باصرار نحو تصفية وكالة الغوث التي ما تزال من الشواهد الحية على قضية فلسطين ومآسيها الدائمة على يد سلطات الاحتلال الاسرائيلي, التي تضرب مع صبيحة كل يوم امثلة صارخة على العدوان والتعسف والظلم والممارسات البشعة, على مدار اكثر من اثنين وستين عاما بدأت حتى قبل الخامس عشر من ايار من عام النكبة 1948م.!
في هذا السياق تأتي التصريحات الخطيرة التي ادلى بها اندرو ويتلي مدير مكتب وكالة الغوث الدولية "الاونروا" في نيويورك قبل ايام, واعلن فيها صراحة وبدون اية مواربة انه "على اللاجئين الفلسطينيين ان لا يعيشوا على وهم تحقيق حق العودة, وبأن على الدول العربية ان تبحث لهم عن مكان في اراضيها لتوطينهم فيها" اي انه لم تقتصر توجهاته كمسؤول رئيسي في هيئة تابعة للامم المتحدة على ابناء الشعب الفلسطيني من اللاجئين وانكار حقوقهم وفق قرارات الشرعية الدولية, انما طالب الدول العربية ان تبحث لهم عن التوطين داخل حدودها.!
الحكومة الاردنية سارعت الى الاعلان عن موقفها الرافض لهذه التصريحات, مطالبة المفوض العام للاونروا لتوضيح الموقف الرسمي لوكالة الغوث منها, واتخاذ العقوبات والاجراءات اللازمة بحق موظف تقلد مناصب مهمة فيها, والامل ان نسمع من الجميع مواقف اخرى تنسجم مع قرارات القمم العربية التي تتبنى وتدعم حق العودة.!
نتوقف في هذا الشأن ايضا عند البيان الذي اصدرته اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة وجموع اللاجئين الفلسطينيين في الاردن, واستنكرت فيه هذا التوجه البالغ الخطورة الذي جاء لسان ممثل وكالة الغوث في نيويورك المقر الدائم لهيئة الامم المتحدة, واكدت فيه على ان العودة حق مشروع كفلته قرارات المنظمة الدولية واكدت عليه عشرات القرارات وفي مقدمتها القرار ,194 وان اللاجئين الفلسطينيين بصمودهم وتشبثهم بحقهم العادل في العودة وتقرير المصير رغم ضنك الحياة داخل المخيمات, اثبتوا ان هذا الحق المشروع ليس وهما وانهم سيحصلون عليه ان اجلا ام عاجلا, وان الذي يعيش بالوهم هو الذي ينتظر ويراهن على ان اللاجئ الفلسطيني سيتخلى عن حقه العادل في العودة ويقبل بالتوطين.!
من الغريب ان لا تجد تصريحات ويتلي ردود الفعل العربية التي تتناسب مع خطورتها, مع انها صادرة عن مسؤول كبير في وكالة الغوث التي انشئت بقرار الامم المتحدة رقم ,302 واوكلت اليها مهمة تقديم خدمات الاغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين حتى يتم تطبيق حق العودة, فبدلا من مطالبة سلطات الاحتلال الاسرائيلي بالانصياع الى القرارات الدولية واحترام مبادئ حقوق الانسان التي يتم انتهاكها يوميا, او حث الدول المانحة على الوفاء بالتزاماتها لمعالجة الازمة المالية التي تعاني منها "الاونروا", لم يجد هذا الممثل الذي يفترض ان يكون في خدمة اللاجئين سوى الاعلان جهارا نهارا ان عليهم التخلي عن وهم حق العودة وقبول الدول العربية بالتوطين ! .
Hashem.khreisat@gmail.com
العرب اليوم