الواقع الفلسطيني .. وكيفية الخروج من الأزمة ؟
نبيــــه عويضــــة/القدس
11-07-2007 03:00 AM
الجميع مسؤولين ومواطنين وقفة حازمة وجادة بهدف الوصول إلى حلول جذرية تنهي الخلاف القائم ، و تعود بالقضية الفلسطينية إلى مكانتها السابقة من حيث الأهمية على جميع المستويات محليا وعربيا ودوليا ... وقفة قوية تنهي جميع مظاهر الخلاف والانقسام ليعود أبناء الشعب الواحد للعمل معا باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية ، انطلاقا من مواقف وطنية صادقة ، تعمل الأزمة الراهنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني سواء في داخل الوطن أو خارجه , تتطلب من لصالح القضية والشعب ،وأيضا انطلاقا من قاعدة أساسية متعارف عليها وهي أن " أي طرف لن يلغي الطرف الآخر " لكون الطرفان ينتميان إلى شعب واحد ، كل ذلك وفق رؤى سياسية واضحة المعالم لا يكتنفها أي غموض ، وهذا لا شك يتطلب أمورا كثيرة وهامة لا بد أن تكون متوفرة لدى القيادات السياسية الفلسطينية على جميع المستويات ، وفي مختلف المواقع و الاتجاهات ، وهذا كله يحتاج إلى إرادة وإدارة سياسية وطنية واعية ، بعيدا عن السماح لقوى خارجية يعرف الجميع أهدافها الساعية إلى استغلال القضية الفلسطينية لحساب أجنداتهم الخاصة
و تعميق الهوة بين أبناء الشعب الواحد ، وتجزئة الوطن إلى ضفة وقطاع ، ومن ثم تقسيم الضفة إلى " كانتونات " محاصرة يسهل السيطرة عليها ، وذلك خدمة لاستراتيجيتهم ومصالحهم ، وحماية لمصالح حلفائهم .
إن ما جرى في قطاع غزة لا شك سبب الألم للجميع ، وأثار في داخل نفوس الشعب الفلسطيني بكامله الخوف من المستقبل .
فمن يعيش في داخل الضفة والقطاع أصبح يعيش حالة من القلق من نواح عدة:
1) تكريس الفصل بين الضفة والقطاع ، وهذا يعني إنشاء كيانين فلسطينيين ضعيفين هزيلين بحيث لا يستطيع أي منهما وتحت أي ظرف تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
2) استفراد إسرائيل بالضفة والقطاع كل على حدة ، من حيث الضغوط والاعتداءات وفرض شروطها .
3) إضعاف القدرة الفلسطينية التفاوضية فيما لو تم البدء بمفاوضات الحل النهائي ، وتمكن إسرائيل من أن تفرض كامل ما تريد من حلول لكونها الطرف الأقوى خاصة في ضوء الدعم القوي الذي تتلقاه من جانب الإدارة الأمريكية وجهات أخرى ، بينما لا يكون في يد الجانب الفلسطيني أية أوراق تمكنه من الصمود أمام الضغوط التي سيتعرض لها وهي لا شك ستكون كبيرة جدا .
4) الخشية من أن تتدهور الأمور إلى مدى أبعد مما هي عليه الآن ، بحيث تزداد الفتنة وتتحول الأوضاع وتصبح مشابهة لما يجري في العراق والصومال .
5) اشتداد الحصار بشتى أشكاله وخاصة الاقتصادي ، الأمر الذي من شأنه أن يولد وضعا اجتماعيا سيئا للغاية ، تنعكس آثاره على كافة شرائح المجتمع ويؤدي إلى تفشي الجريمة ، ويصبح الإنسان الفلسطيني فاقدا للشعور بالأمن أكثر من أي وقت مضى .
6) خسارة ما تبقى للقضية الفلسطينية من رصيد على الصعيدين الإقليمي والدولي كقضية سياسية ، وتعود إلى ما كانت عليه في الماضي قضية إنسانية كل من يمكن أن يقدموه لها عبارة عن مساعدات إنسانية من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين .
7) استمرار السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس ، في الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون في خلافاتهم الداخلية.
أما من يعيش في خارج الوطن ، فقد أصبح يعاني من :
1) فقدان الثقة بإمكانية تحقيق الحلم الذي راوده طويلا بالعودة إلى أرضه ووطنه بعد طول السنين التي عاشها في مخيمات اللجوء ، والعذابات التي عانى منها بعيدا عن الأهل والوطن .
2) الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون في بعض الدول المضيفة كما هو حاصل الآن في مخيم نهر البارد في لبنان، وما تعرض له اللاجئون حينما حاولوا العودة من مخيم البداوي إلى أماكن سكناهم التي اضطروا لتركها في نهر البارد ، هذه الأزمة التي افتعلتها جهة غير معروفة المصدر والهدف الخاص بها أو بمحركيها ، وهي لا علاقة لها أساسا بالقضية الفلسطينية ، إنما سببت الكثير من المآسي للفلسطينيين وحاولت إيجاد شرخ في العلاقة الأخوية بين أبناء الشعب العربي الواحد الفلسطيني واللبناني ..
3) أن تفرض عليهم سياسة التوطين في أماكن إقامتهم ، وأن يتم التنازل عن حق العودة ، و أن يتم تهجيرهم من جديد إلى دول يتم التحضير لاستقبالهم فيها بحيث يصبحون بعيدين عشرات الآلاف من الأميال عن وطنهم الأم ، ولا يعود لهم أي أمل في العودة .
4) أن تنعكس الآثار السلبية لما يحدث بين الأخوة في الضفة والقطاع ، على أبناء المخيمات في الخارج ، مما سيكون له آثار سيئة للغاية على بقائهم وعلاقاتهم بالدول المضيفة ، وعلى مستقبل قضيتهم التي دافعوا عنها طويلا .
ولعل الأكثر خطورة من كل ما سبق ذكره أن يصاب الإنسان الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده ، بحالة من اليأس والإحباط تفقده الثقة بقياداته الحالية ، ويبتعد عنها ، وبالتالي التخلي عن سلطته الوطنية ،ومن ثم يدفعه ذلك إلى البحث عن قيادة أخرى يرى أنها سوف تحقق له ما عجزت القيادات الحالية عن تحقيقه ، ولا أحد يمكنه التكهن بما يمكن أن يقدم عليه حينئذ للوصول إلى حقوقه بعد أن يفقد الثقة بكل ما آمن به على امتداد العقود الماضية .
من هنا ، وكي لا ندفع بالإنسان الفلسطيني إلى الزاوية ، فإن المسؤولين الفلسطينيين مطالبون اليوم وقبل الغد :
1) البحث عن الوسائل التي من شأنها تخفيف حدة الاحتقان الداخلي ، وفي مقدمتها التوقف الكامل عن شن الحملات الإعلامية كل ضد الآخر ، والابتعاد عن إلصاق صفات لا تليق بالإنسان الفلسطيني ، لأن الجميع يعمل كل بأسلوبه لخدمة القضية الواحدة . والبدء بالحوار وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأزمة ، من حيث وضعها الطبيعي والقانوني والشرعي ، والحفاظ على الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها ، على قاعدة رفض وإدانة اللجوء إلى العنف والحسم بالقوة للاختلافات الداخلية .
2) التعامل مع وسائل الإعلام بمنتهى العقلانية والهدوء ، وإبداء الحرص على حماية المشروع الوطني الفلسطيني ، وأن يكون النقاش والحوار نابعا من العقل والحكمة والمنطق ، وأن نسعى دائما وفي كل حواراتنا لأن لا نقطع " شعرة معاوية " لأن ما يحدث الآن لا بد أن ينتهي بالحوار بين الأخوة ، ولا يمكن أن يستمر الخلاف إلى ما لا نهاية ، فلا بد من نهاية له ، ولكن علينا أن لا نترك في داخل النفوس ما يجعل من الصعب الجلوس معا في الفترة القريبة القادمة للوصول معا إلى قواسم مشتركة تكون القضية الوطنية وحمايتها الأساس الذي يبنى عليه أي اتفاق داخلي .
3) أن يدرك الجميع أن الاختلاف في وجهات النظر ، وتعدد الآراء أمر صحي للغاية ، والهدف منه الوصول إلى أنجح القرارات خاصة بالنسبة لقضية مثل القضية الفلسطينية ، وتعدد الرأي ، واحترام وتقبل الرأي الآخر ، الذي هو من مميزات الديمقراطية التي نريدها ، وأن لا نقبل بأن نتحاور من خلال العنف الذي من المفروض أنه بعيد كل البعد عن ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا .
4) أن يكون القضاء والقانون هما الفيصل في أي قضية مهما كانت كبيرة أو صغيرة ، وعلى الجميع السعي لتعزيز مبدأ استقلالية القضاء وسيادة القانون ، لكون ذلك الضامن الأكبر لحماية الإنسان الفلسطيني ماديا ومعنويا ، وأن ننطلق من مبدأ " لا أحد فوق القانون " .
5) إعطاء الفرصة لكل الخيرين من أبناء الشعب الفلسطيني وقياداته الذين يدعون إلى إنهاء الاحتقان الداخلي من خلال توافق وطني وعبر الحوار الجماعي ، والجلوس معا لإنهاء الخلافات خدمة للقضية التي هي لا شك أهم من الجميع .
6)إعطاء الفرصة لكل المساعي الخيرة التي يبذلها بعض القادة العرب لرأب الصدع بين الأخوة في فلسطين ، انطلاقا من حرصهم على حماية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، والتجاوب مع دعواتهم المخلصة لجمع الفرقاء حول طاولة واحدة للوصول إلى اتفاق وطني يجنبنا الانزلاق في مخاطر كثيرة نحن في غنى عنها .
7) عدم التصلب والتشنج في المواقف لأن ذلك سوف يضر بالقضية الوطنية الفلسطينية ، من جانب ، وسيكرس القطيعة من جانب آخر وهذا ما لا يريده أحد ، والعمل على إيجاد حل شامل لكل القضايا بدءا من إعادة ترتيب هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية و انتخاب مجلسها الوطني الجديد وفقا للتمثيل النسبي الكامل ، والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة بتوافق وطني ، تكون جزءا من العملية الديمقراطية الفلسطينية المميزة بديلا لحكومات الأمر الواقع في غزة ورام الله ، وفقا لاتفاقية القاهرة آذار 2005م ، ووثيقة الأسرى " الوفاق الوطني ".
8) الانطلاق في الحوارات من منطلق الثقة كل بالآخر ، باعتباره والوسائل الديمقراطية الأخرى الحل الأوحد للوصول للوفاق والوحدة الوطنية وبناء استراتيجية سياسية وقيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني ، انطلاقا من أن الجميع يسعى للوصول إلى أفضل الطرق لاستعادة الحقوق الفلسطينية وإن اختلفت الرؤى ، وأيضا من قاعدة أن " اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ".
9) الإيمان بأن القضية الفلسطينية تحتاج لأن تكون لنا علاقات جيدة مع جميع الدول والحكومات والأحزاب وغيرها ، وأن يتم تجيير هذه العلاقات لصالح قضيتنا الوطنية ، وشعبنا ، وليس لخدمة مصالح الآخرين .
10) طالما أن الجميع وافق على تشكيل لجنة تقصي الحقائق العربية ، فلا بد إذن من انتظار ما ستخرج به من نتائج وتوصيات ، والقبول بها ، ومحاسبة كل من يتم تحميله المسؤولية عما جرى ، من خلال القضاء الفلسطيني الذي لا يجب إطلاقا أن نشك بعدالته ونزاهته ، وأن يتم تقديم الاعتذار من جانب من يتم تحميلهم المسؤولية فقط إلى الشعب الفلسطيني الذي عانى مما جرى ، وليس إلى أية جهة سواه ، وذلك ما دعا إليه الرئيس محمود عباس في عدة مناسبات .
إن الشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير على امتداد العقود الطويلة الماضية ، ليتطلع إلى كل المخلصين من فلسطينيين وأشقاء عرب ومسلمين وأصدقاء في مختلف أنحاء العالم ، للعمل معا من أجل رأب الصدع ، وإعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني ، وصولا إلى تحقيق ما قدم الشعب الفلسطيني في سبيله التضحيات الكثيرة ليعيش حرا كريما وسيدا فوق أرضه وفي وطنه .