تعاقب السنين يكرهه البعض لأنه ينذر بتقدم العمر، والبعض يراه دليل وقار ونضج، لكنه بشكل عام لا يستأذننا في القدوم.
والدول والمجتمعات تظهر عليها آثار تعاقب السنين، لكنها مثل الافراد تحتفل كل عام بمرور الزمن على شكل عيد ميلاد الفرد او اليوم الوطني او الاستقلال للدولة، لكن كل سنة تعني مزيدا من الشعر الأبيض وايضا مزيدا من التجاعيد على الجسد وأمورا اخرى، وتعني بنسبة كبيرة تجارب ونضجا وخبرات.
لكن تعاقب السنين على اي فرد او دولة أو مجتمع، إما أن يعني الشيخوخة وامراضها وضعف الجسد فقط، أو يضاف اليها النضج والرشد والخبرة وعمق التجربة، وإذا كان الفرد يستطيع استعمال الصبغة لإخفاء الشعر الأبيض وآثار مرور السنين، فإنه لن يستطيع صبغ حواسه وقلبه وجسده وإخفاء الضعف والمرض…
الدول مع تعاقب السنوات وظهور الشعر الأبيض في شعرها، متوقع أن يظهر عليها النضج والرشد وعمق التجربة في قوة مؤسساتها، اي انها ليست دولة يحكمها مزاج الافراد وشلل السياسة والعلاقات والمصالح، بل المؤسسات هي المهمة، وتجدها قادرة على تجديد خلاياها وانتاج اصحاب المواقع والمسؤوليات التنفيذية وفق معايير انتجها النضج وتعاقب التجارب.
الكفاءة والثقة أي الولاء للدولة والإيمان بها هما من المواصفات الاهم حتى تحافظ الدول على قوتها، وفي سابق العصور وقبل مئات السنين كان البعض يفضل الولاء والثقة على الكفاءة، وكان البعض الآخر يفضل الكفاءة التي تسمى في عصرنا التكنوقراط التي لم تكن تكفي عندما تتعرض الدولة لمحنة ولا تجد حولها من يساندها من هؤلاء، والأسوأ عندما يكون الخيار ولاء شكليا يخفي وراءه البحث عن المصلحة دون الكفاءة الفنية.
لكن الدول ليست امام خيارين إما الكفاءة أو الثقة والايمان بالدولة، فهناك في كل دولة من يملك الأمرين، هذا اذا لم تكن لغة الشلل وميليشيات السياسة والنفوذ هي من تقرر من يأتي ومن يذهب، وهناك مواقع لا يجوز معها إلا أن يكون شاغلها من اهل الثقة والكفاءة وايضا الوزن السياسي والشعبي وإلا فإن التساهل في المواصفات ينعكس على مكانة الموقع والمؤسسة، أما من يتم اختياره فيفوز بالمكاسب والألقاب، لكن المؤسسات تدفع الثمن مع كل محطة قلق او ازمة.
في مجتمعاتنا لا يقبلون من صاحب الشعر الأبيض والتجاعيد على وجهه اشياء قد يتم تمريرها من غيره، لأن الناس تعتقد أن من يصل به العمر إلى هذه المرحلة يصبح قادرا على ضبط مساره، وكذلك الدول والمجتمعات التي تكاثر الشعر الأبيض في رأسها يفترض انها امتلكت تجارب وعاشت ازمات ومنعطفات تجعلها تتجنب انواعا من الأخطاء والممارسات التي قد تكون متوقعه من غيرها.
(الغد)