الضوابط الدستورية للرقابة البرلمانية
د.طلال طلب الشرفات
14-12-2022 04:10 PM
الفصل بين السلطات سواء كان مرناً أم جامداً لا يُخول أي سلطة التَّغول على السلطات الأخرى سواء من حيث المهام أو الممارسة أو فرض سياسة الاستقواء أو المماحكة أو التقريع، والسبب أن المشرع الدستوري عندما وضع قواعد العمل البرلماني وأداء الحكومة لأعمالها حرص على ابقاء حالة التوازن الدقيق الذي يُرسخ قواعد العمل الديمقراطي، والمشاركة في الأداء العام بما يُمكّن الحكومة من القيام بمهامها بإتقان، ويعطي الرقابة الشعبية من خلال مؤسسة البرلمان مراقبة سلوك الحكومة والتزامها في تنفيذ التفويض الدستوري الممنوح لها.
والرقابة البرلمانية لمجلس الأعيان تنحصر في السؤال والاستجواب والمناقشة العامة، والحقيقة انه نادراً ما يقوم بتلك المهام؛ لأسباب سياسية واجتماعية بحتة او ربما لأن الأداء يصعب ان يطاله مناخ التحديث السياسي في ضوء واقع كلاسيكي معقد يحكم اداء المجلس، إذ ينحصر دوره في التشريع، وتقديم النصح للحكومة في اللجان والاجتماعات المغلقة، أما مجلس النواب فصلاحياته الدستورية واسعة في السؤال والاستجواب والمناقشة العامة وطرح الثقة بالحكومة ومنح الأذن في إحالة الوزراء للقضاء، وهذا يكفي للتساؤل حول طبيعة وضوابط الرقابة النيابية وهل هي مطلقة أم مقيدة، وهل يمكن للنائب أن يقول ما شاء تحت القبة؟ حتى وأن وصل الأمر إلى تقريع الحكومة والتحامل عليها.
الدستور الأردني أعطى النائب حرية مقيدة وفقاً لمقتضيات النظام الداخلي للمجلس في الرأي وطريقة التصويت والاقتراح، ولذلك يمكن القول أن تقريع الحكومة، والتطاول على مكانتها الدستورية، والإساءة للأشخاص، والهيئات، والعقائد، والمقام السامي هي محظورات؛ لأنها تتجاوز قواعد النقد المباح إلى أفق الجريمة، أو المؤآخذة المسلكية التي تُنسّب بها لجنة السلوك أو أي لجنة أخرى يختارها المجلس، او من خلال شطب الكلمات التي تقع ضمن المحظورات من محضر الجلسة.
عدم جواز تجاوز أعضاء البرلمان لمهامهم الدستورية ينبع أساساً من القدسية الشعبية للتمثيل النيابي قبل الدستور، ويرتكز على مفاهيم الشرعية الشعبية التي تعكس قيم المجتمع وقواه الحيّة، وبالرغم التَّأثير السياسي الفعلي للحكومات على البرلمان أحياناً رغم الواجب الدستوري الذي يقضي بالتزام السلطات بحدودها الدستورية تجاه السلطات الأخرى، إلا أن هذا لا يعني البتة أن يمارس النواب استقواءً واستعلاءً لا يليق، سيّما وأن الدستور قد أعطى المجلس حق حجب الثقة عن الحكومة إذا كان هناك ما يستدعي ذلك.
النقد المباح واجب دستوري وأخلاقي تجاه الوطن والشعب، والإساءة التي لا طائل منها تستوجب الإدانة الشعبية قبل المساءلة المسلكية، وبيت الطاعة الوطني يتسع للجميع، ولا يحتمل نشوز أي سلطة أو جماعة أو أفراد؛ لأن الأوطان تٌقيّم بانجازاتها وليس بمماحكتها أو خلافها، والقواعد الانتخابية تنتظر الأداء التشريعي والرقابي المنضبط الذي يأخذ بعين الاعتبار قواعد الشفافية والعدالة والنزاهة وسيادة القانون.
وحفظ الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.