كل المتابعون للمباريات التنافسية الرياضية الخشنة يتبعون فريقاً بعينه ينحازون له ويشجعونه على الفوز. الرياضة الخشنة حسب تصنيفي هي رياضات الكرة مما يزيد قطرها عن قطر كرة التنس الأرضي التي يتسم جمهورها بالرقي والنزاكة، وأستثني كرة القاعدة الأمريكية (بيسبول) التي يتابعها الأمريكيون واليابانيون بشغف ويتسم لاعبيها بالعنف الذي أصبح متوقعاً، فهي خشنة. لا بد أنكم تتفقون معي أن ملاعب كرات القدم واليد والسلة والطائرة و الكرة الأمريكية و القاعدة و الكريكيت تشهد تواجداً جماهيرياً صاخباً ينقسم لمشجعين يصيحون بالأراجيز و الهتافات و يظهرون بكل لون و صرعة التزاما بفريقهم و يميلون للتطرف في التشجيع و ربما العنف. لكن ما هو الدافع الذي يدفع المشجع لينحاز لفريقٍ دون فريق؟
بحكم النشأة كنت أميلُ لفريقٍ القادسية الكويتي لأنني أحببتُ لونه الأصفر البرتقالي! ثم بالطبع منتخب الكويت الأزرق. و بعدها بسنواتٍ بدأتُ أميلُ لتشجيع الفريق الأضعف في أي مباراةٍ أشاهدها أو الفريق الذي يتميز بلونٍ لملابسهِ أعجبني ذلك اليوم. الأبيض فوق الأحمر و السادة فوق المخطط و هكذا. بالطبع لو سمع المشجعون ذوي الانتماء الفولاذي لفرقهم كيف أختار الفريق الذي أشجعه لربما طاردوني باللعنات. جدياً، لا أهتم لفريقٍ بعينهِ. متابعتي تقتصرُ علي الشوط الأول ولا أهتم كثيراً بالنتيجة.
لكن التشجيع لهُ كما يبدو أبجديات. من نشجع و لماذا؟
إنهُ يبدأُ بمزاجٍ أو استهواء يتبعُ صاحبه لسببٍ غير منطقي. أو نزولاً و تقليداً عند رغبةِ أب و أخ و صديق. هكذا يبدأ ثم يتكون التوجه الأصيل نحو فريق ومنتخب و لاعب. مثلاً، أعجبني القادسية الكويتي لأنه مَثَّلَ في مخيلتي معركةً انتصر فيها المسلمون علي فارس. ثم زاد رصيد التشجيع عندما دعا القادسية سانتوس البرازيلي و لاعبه الجوهرة السوداء بيليه للكويت فذهبت مع صديق من المدرسة للملعب لحضور المباراة. لا أذكر من فاز لكنني أذكر هدفاً لبيليه. مع الزمن و الدراسة و العمل و باقي المسؤوليات اختفى من حياتي كل فريق. و إن شاهدتُ مباراةً فتشجيعي كان يلتمس هذه الأبجديات.
من بلدي أم لا. مع بلدي بالطبع. إن كان من بلدي فريقين فهل كما أتخيل مسكينٌ أم متجبر. سأشجع المسكين! هل مدربه عربي أم أجنبي. أنا مع المدرب العربي. من خارج بلدي، هل هو عربي أم لا و إن كان عربياً يقابل عربياً فسأشجع الأفقر. و إن قابل العربي أجنبياً فالتشجيع للعربي. و إن كانت الفرقتين أجنبيتين، أيهما أقربُ للعرب هي التي سأشجع. و إن كانتا بعيدتين، من أقلهما انتماءً لاستعمار و عنصرية ستحظى بتشجيعي. و التي بها لاعبين عرب غير موشومين لها مكانة. و إن كانوا أفارقةً أو منحدرين من إفريقيا فلهم مكانة. يتدرج تصنيف التشجيع بهذا الشكل العاطفي. و يستثني ما هو عكس معتقدي. فلا أشجع الذين يحولون أجسامهم مرسم أوشام و لا المتقرطين بأقراط و لا صابغي الشعور و لا بالتأكيد مشجعوا الشواذ. هل أشجع اللعبة الجيدة. قطعاً لكنه تشجيعٌ لحظي ليعود الهوى للأضعف حظاً. أشعر أن غاندي يقود فرقة التشجيع. قد يكون. و بالمقابل الهتلريون من المشجعين الباذلين الغالي و الرخيص لسحق الموسيلينيين من مشجعي العدو. هكذا معظم اللقاءات الرياضية. حربٌ متغطيةٌ بالروح الرياضية.
للذكرى، يعود الحنين للأصفر والأزرق. ليس أوكرانيا! لعبدالله العصفور و مرزوق سعيد و فاروق إبراهيم و أحمد الطرابلسي و سعد الحوطي و جاسم يعقوب و حمد بوحمد، من بين من شجعت في ماضي السنين. و تعوف نفسي فرقاء اليوم حين الرياضة تزرع بذور الخصومة بأدنى و أعلى مستوياتها بدلاً من أن ترفع جسوراً و ترابطاً. و أستثني مشرقاً و مغرباً لا زال يؤمنُ بالعروبة و تحرير فلسطين و يبر والديهِ فهم من حيث علموا أم لا قد وضعوا قواعد الجسور و الترابط. فهؤلاء أشجعهم حتى يثبت العكس.
ali.alzatari@gmail.com