القطب العربي يقترب من القطبين الروسي والصيني
د.حسام العتوم
13-12-2022 10:54 AM
شهد هذا العام 2022 زيارتين لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل - نهيان، ولرئيس دولة فلسطين محمود عباس لموسكو ولقاء رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، تبعهما اكثر من لقاء بين وزير خارجيتنا أيمن الصفدي ووزير خارجيتي روسيا سيرجي لافروف و(كييف) دميترو كاليبا وبحضور وفدا عربيا مثلوا وزراء الخارجية، وزيارة لوزير خارجية روسيا لافروف للاردن ولقاء جلالة الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية الصفدي، ولقاء رئيس دولة الامارات آل نهيان في ذات الوقت وسط الحرب الروسية – الاوكرانية ومع (الناتو) بالوكالة، الدائرة رحاها الان وباتت تشارف على نهايتها بعد تحقيق الجانب الروسي فيها نصرا واضحا والاصل ان ينتهي الى سلام الامر الواقع بعد اعتراف غرب اوكرانيا وتحديدا الرئيس فلاديمير زيلينسكي بالاقاليم الخمسة (القرم، ولوغانسك، ودونيتسك " الدونباس "، وزاباروجا، وجانب من خيرسون) ضمن السيادة الروسية – الخط الاحمر، وطالبت موسكو الغرب كاملا بالاعتراف بالاقاليم ايضا في اطار السيادة الروسية لفتح باب الحوار معهم ولتوقيع سلام الشجعان، العادل والمشرف، ورسالة للرئيس بوتين حديثة نقلتها وكالة الانباء الفرنسية(AFP) مفادها بأن اي دولة تهاجم روسيا نوويا ستختفي عن وجه الارض مشيرا لما تملكه روسيا من صواريخ بالستية نووية سريعة الرد، ولما تملكه روسيا من قدرات نووية عالية الجودة ومتفوقة على حلف (الناتو) وهو الذي اكده الرئيس بوتين في وقت سابق وتناقلته وسائل الاعلام، وتصريح حديث لديميتري ميدفيديف نائي رئيس مجلس الامن القومي أكد فيه بان روسيا تنتج الآن أسلحة عالية التدمير.
وجاءت زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينينيغ للملكة العربية السعودية ولقاء خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان ال سعود، والزعماء العرب، لتعطي اشارة اكثر من اقتصادية، في زمن ظهور وتحرك عالم الاقطاب المتعددة الذي تقوده روسيا الاتحادية وتراجع احادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وتصريح سابق للرئيس الامريكي جو بايدن قال فيه بأن بلاده امريكا لا تريد الخروج من منطقة الشرق الاوسط حتى لا تخلي الساحة لروسيا والصين، يؤكد القلق الامريكي والغربي من قرب تلاشي قطبهم وصعود عالم الاقطاب المتعددة، وهو القطب الاحادي الذي بات مرفوضا في شرق وجنوب العالم بسبب انتهاجه سياسة الكاوبوي واليهمنة والتغول على سياسات واقتصادات العالم، والملفت للانتباه في قمة الصين والسعودية والعرب هو تأكيد البيان الختامي على عدالة القضية الفلسطينية الواجب ان تضفي الى بناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس المحتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الامن والامم المتحدة، ويذكر هنا بأن صفقة الرئيس الامريكي دونالد ترمب عام 2017 مع العرب والتي بلغت قيمتها 450 مليار دولار مقابل شراء السلاح لازالت عالقة في اذهان الشعوب العربية المحتاجة للتنمية الشاملة السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ولمواجهة الفقر، والبطالة، وشح وتلوث المياه، والتصحر والصحراء، والفساد.
والقادم من الزمن يتطلب من العرب تحصين قطبهم اسوة باقطاب العالم، والابتعاد تدريجيا عن التأثيرات الخارجية وهكذا فعلت روسيا الاتحادية وكذلك الصين الشعبية، ومثلما للعرب مظالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة، وحقوق ومنها ماله علاقة بالانسان الخاضع تحت الاحتلال الاسرائيلي، وفي الظل جزر الامارات المحتلة ايرانيا، وايدي خفية ايرانية في اكثر من موقع عربي، وهلالهم يكاد يكتمل في عمق العرب، ولروسيا الاتحادية مظلمة في شرق وجنوب اوكرانيا بسبب التطاول على ناسهم اكثر من ثماني سنوات عجاف، ومحاولة ضمهم قسرا لسلطة العاصمة (كييف)، وتعاون غرب اوكراني وغربي على صياغة سيناريو حرب لا يراد لها ان تنتهي، والهدف متوسط وبعيد المدى استنزاف روسيا، وتصعيد الحرب الباردة وسباق التسلح، وتوسيع شبكة (الناتو)، والاسلحة النووية الامريكية كذلك وسط اوروبا وابعد، وبيان ختامي عن القمة العربية - الصينية يطالب بعودة اقليم تايوان للصين، وهو حق تاريخي يصطدم مع طموحات الغرب وخاصة امريكا الباحثة دوما عن الانفصال وعن تحجيم الاقطاب الصاعدة مثل الصين وروسيا.
والصين وروسيا أيضا لا يقلان اهمية اقتصاديا عن امريكا، والتصنيفات الجارية والمعاصرة تصنف امريكا بأنها الاولى اقتصاديا، والسبب غير المعروف للعامة هو قدرتها على اختراق اقتصادات العالم عبر اختلاق الازمات والحروب، والصين تصنف بالمرتبة الثانية وهي من عمالقة اقتصادات العالم، وفي روسيا مصادر طبيعية كبيرة تشكل اسنادا قويا لعملتها الوطنية "الروبل" التي لم تتأثر بسبب الحرب الاوكرانية، والتعاون الاقتصادي العالمي هو المطلوب اليوم، ونعم لازالة الاختناقات العالمية الناجمة عن الحروب ومنها الباردة وما ينتج عن الاتجار بالسلاح .
والاهم هنا وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على مستوى العرب واصدقائهم في العالم وفي مقدمتهم روسيا والصين الاتفاق على جدول اعمال يطالب اسرائيل فعلا لا قولا الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران 67، ولا مجال لمزيد من الرسائل السياسية الموجهة لاسرائيل فقط، ولابد من انتاج كوابح تلجم الاحتلال وتتعدى ذلك لتشمل احتلالات ايران لجزر اماراتية، ولا نقبل صورة للعرب توحدها الرياضة فقط، وحجم التبادل التجاري العربي مع الصين البالغ 300 مليار دولار وغيرها من دول العالم الاصل ان ينعكس ايجابا على دول العرب الفقيرة التي تتلاشى فيها المصادر الطبيعية الغنية، والملاحظ بأن ما يكدسه العرب من سلاح اجنبي وسطهم مهمته هي دفاعية فقط في الوقت الحاضر، ولقد قبل العرب بالسلام الرسمي مع اسرائيل عبر معاهدات ثنائية ومنها تحت غطاء دولي، وبقي السلام مع اسرائيل مرفوضا وسط شعوب العرب ذات الوقت ، ويطالبون العرب اسرائيل بانصافهم وفقا لقرار التقسيم 181 الذي دعا عام 1947 الى دولة عبرية الى جانب دولة عربية ورفضه العرب ، وهو الذي حولته الصهيونية الى عبرية كاملة من جديد، وزمن اسحق رابين الذي عرض فيه على سوريا حافظ الاسد عبر الرئيس حسني مبارك اعادة الجولان – الهضبة العربية السورية المحتلة عام 1967 مقابل فتح سفارات واتفاقات شكلية لم يعد حاضرا في زمن صعود حزب الليكود من جديد، وهو المعادي للعرب ، والمشجع على ممارسة الاحتلالات والتهجيرات وعلى الاستيطان الاسرائيلي غير الشرعي فوق اراضي العرب اصحاب الحق والتاريخ العميق الضاربة جذوره الى وسط الحضارة الكنعانية واليبوسية، اي قبل سبعة الاف سنة قبل الميلاد .
ونعم للقاء العربي الصيني ، وهبوط الصين كدولة عظمى الى وسط العرب خطوة تاريخية هامة ترافقها اقتراب عربي ملاحظ من روسيا العظمى ايضا، والمجاهرة المشتركة بحل الدولتين عمل منصف للفلسطينيين الاشقاء وقضيتهم العادلة التي تجاوزت ان تكون فلسطينية وعربية فقط الى اسلامية ومسيحية وعالمية ايضا، ولم يعد العالم يرغب بقبول الازدواجية في السياسة ولا المرواغة وتضييع الوقت ، وآن اوان الصراحة والوضوح، والتجديف صوب السلام والتنمية الشاملة .