«ويكيليكس» والعراق وأشياء أخرى! (1-2)
أ.د.فيصل الرفوع
01-11-2010 02:34 AM
تناقلت الأبناء مؤخراً نقلاً عن موقع « ويكيليكس» خبراً عن وثائق عسكرية سرية أمريكية تفيد بحدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان العراقي كالتعذيب والقتل والإغتصاب، بالإضافة لتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان العراقي شاركت فيها القوات العراقية نفسها وبتوجيه مباشر من رئيس الوزراء نوري المالكي المنتهية ولايته.
وقد أحيط هذا الخبر بكم هائل من التعليق والتحليل، ومهما كانت الأمور التي سترسو عليها نتائج التحقيق حول هذه الجرائم، إن كان هنالك تحقيق في الأصل، والتي تعد وبكل المقاييس والأعراف جرائم حرب وإنتهاكات لحقوق الإنسان يحاسب عليها القانون الدولي، فإن المطلوب من الدولة الغازية ومن خلفها كل القوى التي شاركت في العدوان على العراق، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بالتكفير عن خطيئتها وخطئها وإعادة سيادة العراق إلى أصحاب الحق الشرعيين وهم الشعب العراقي بكافة أطيافه وشرائحة وقومياته، وبعيداً عن الإنتماء الطائفي والمذهبي والعرقي، الذي قامت القوات الغازية بإشعاله منذ يوم التاسع من نيسان 2003، وبمباركة من سلطة الولي الفقيه والصفويين الجدد. كما يتوجب على الدولة الغازية أن تساهم بشكل مباشر في عودة العراق كدولة مستوفية لشروط الكيان السياسي المعروف وذلك بأن تكون له دولة ونظام حكم بعيدأ عن الطائفية وإفرازاتها المقيتة.
ولكن مهما كانت الحالة التفاؤلية التي رافقت انتقال السلطة المزعوم إلى العراقيين، فإن ذلك ترافق وبكل أسف مع استمرار حالة الفوضى والضبابية والانكشاف الأمني التي ما زال يعيشها العراق منذ التاسع من نيسان 2003. فلا تسميه الرئيس ولا رئيس الوزراء ولا من سيقود الفريق الوزاري، التي ما زال العراقيون بإنتظارها منذ حوالي الثمانية أشهر، ستضع نهاية إلى الاضطراب والضياع التي يعيشها العراق.
ولكن ما يجب البدء به هو إعادة ترميم المواطن العراقي بإعادته إلى محيطه القومي ونواميس عروبته، هذا المواطن الذي انقسم بين أن يكون ذا ولاء للداخل وهذا أمر يصعب اللجوء إليه حيث أصبح الحديث عن استحقاقات سياسية أو مرجعية دينية وتمسك بالظروف والمعطيات التي مثلت الماضي، وكل هذه تؤدي إلى الاحتراب الداخلي الذي أخذ يمثل المشهد اليومي لكل مناطق العراق، وبين انتماء وارتباط بالخارج غير العربي، وهذا أيضاً أضاع الهوية وأصبح المواطن في العراق لا يدري إلى أية جهة هو موليها. فالاتصال بالآخرين لم يؤد إلى نتيجة أو استقرار أو ضمان، والاستعانة بالقوى الدولية أصبحت أمراً مشكوكاً فيه من حيث جداوه أو فائدته أو إمكانية تحقيقه ابتداءاً.
وكما سمع كل من طرفي المعادلة العراقية، نوري المالكي وإياد علاوي، من جلالة الملك عبدالله الثاني، فإن العراق يحتاج الآن أكثر ما يحتاج إلى استعادة مفهوم الشرعية السياسية والاجتماعية والفكرية وحتى الثقافية. ويحتاج أيضاً إلى مركزية أمنية يستطيع معها الفرد العراقي أن يفكر ويعمل ويحدد الاتجاه، إذ ضاع كل شيء ولم يبعد أمام هذا الفرد إلا أن يكون قاتلاً أو مقتولاً أو أن يكون مضيعاً أو تائهاً، فالخروج من الخندق السياسي يعني خلق عداوات والخروج من الخندق العسكري يعني الموت والقتل والتذبيح.
ويظل السؤال المطروح أن العراق قد مرّ بكثير من الأزمات واستطاع خلال فترة قصيرة أن يستعيد توازنه وأن يسترجع أجهزته، إلا هذه المرة حيث لم تعد تظهر ملامح الدولة ولو بحدها الأدنى. فالجيش الوطني المحترف غير موجود وقوى الأمن طائفية الهوى والوزارات «عشعش» فيها الفساد وسموم الطائفية، والحديث عن الأمن أصبح ضرباً من الخيال، ودبت الفوضى في كل نواحي الحياة.
alrfouh@hotmail.com
الرأي