على الطريق .. حقوق ذوي الإعاقة هل تراوح مكانها؟
د. أشرف الراعي
12-12-2022 11:13 AM
"على الطريق".. هذا عنوان لفيلم قصير حَضرتُه، وأعده الشاب عون عمر الجازي، والفيلم بحد ذاته مُحاضرة في التوعية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكأنه يقول "متى نلتفت لهذه الفئة أو القطاع حسبما ورد على لسان الدكتور مهند العزة،، الأمين العام للمجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة؟" في مقابلة خلال الفيلم، لا سيما وأن هذا القطاع يشكل نحو 15% من أجمالي عدد أفراد المجتمع، وهو عدد كبير إذا ما قورن بمجتمعات الأخرى، ما يعني ضرورة توفير كافة الممكنات التي تستهدف تعزيز الخدمات اللازمة لهذه الفئة سواء من خلال تطوير التشريعات الخاصة بها من جهة، أو توفير الوسائل التي تدفعها إلى ممارسة حياتها بشغف وبما يتلاءم مع حقوق الإنسان، خصوصاً، وأن هناك العديد من الممارسات التي ما زالت لا تمكن هذه الفئة من تحقيقها بشكل جيد، وهو أمر لا يخفى على أحد.
يُلقي "على الطريق" الضوء على قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقيات الدولية في هذا المجال، ومن أبرز هذه المشكلات التي يعاني منها الأشخاص ذوي الإعاقة هو عدم توافر فرص التعليم لهم، حيث تعاني هذه الفئة من عدم توفر الأسباب الدافعة، والوسائل المساعدة التي تمكن أفرادها من اجتياز إعاقتهم والالتحاق بالمدارس، والجامعات ليكونوا عناصر فاعلين في مجتمعاتهم سواء الصغيرة أو ضمن مجتمعهم الكبير؛ حيث يعاني 79% من الأطفال ذوي الإعاقة في سن التعليم من عدم تلقي التعليم، الذي يعد من الأولويات الكبيرة، ما يفتح الأسئلة حول تطبيق مفاهيم التعليم الدامج؛ أي دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية كأقرانهم؛ فالدمج كان وما يزال ضعيفا جداً في المؤسسات التعليمية، وهو ما يتعارض مع حقوق الإنسان في هذا المجال، لذا على وزارة التربية والتعليم أن تقوم بمسؤولياتها في هذا المجال.
إن التعليم الدامج هو اليوم من أهم وأبرز الأولويات التي تسهم في إيجاد حلول للتعاطي مع الإعاقة في المجتمع؛ فينظر لهم الطفل في مدرسته على أنهم اشخاص طبيعيون .. يساعدهم .. يساندهم .. ولا يمنعهم شيء من تحقيق أهدافهم وطموحاتهم؛ وهو ما يحقق رؤية منظمة (اليونسكو) للتعليم الدامج بتعريفها له بأنه "تأمين وضمان حق جميع الأطفال ذوي الإعاقة في الوصول والحضور والمشاركة والنجاح في مدرستهم النظامية المحلية"، وبالتالي فإن هذا يسهم في تعليم نوعي لهم من جهة وتحقيق إنجازات تعليمية من جهة أخرى ومعالجة آفة التسرب من المدارس لهذه الفئة وخلق مجتمع واعٍ حضاري متفهم؛ حيث تنص اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة لعام 2007، في المادة 24 منها مجموعة من الالتزامات على الدول الأعضاء فيما يتعلق بضمان حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، وعدم التمييز بينهم وبين بقية الأفراد، وتكافؤ الفرص لجميع الأطراف.
يدلل على ذلك دراسة أعدتها الدكتورة سهى طبال بعنوان "واقع برامج التعليم الدامج في رياض الأطفال في المملكة الأردنية الهاشمية" التي كشفت عن قلة البرامج النوعية المستخدمة في رياض الأطفال، مما أثر حتما على فاعلية التعليم الدامج في بعض رياض الأطفال وتشكيل الاتجاهات السلبية نحوه من قبل بعض الإدارات والعاملين وبعض أولياء أمور الأطفال الملتحقين بهذه المدارس.
ليس هذا فحسب، بل وضع "على الطريق" اليد على جرح آخر "غائر" وهو بيئة العمل التي تميز تمييزاً سلبياً في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال عدم النظر إلى قدراتهم وإمكانياتهم وكفاءاتهم والاكتفاء فقط بالنظر إلى عجزهم عن ممارسة أعمال محددة ووضعهم في خانة العمل المحدد بما يحد من طموحاتهم ويمنعم من مواصلة شغفهم في العمل، والإبداع فيه، فتتكون لديهم قناعات وجدانية خاصة بأن قدراتهم محدودة وإبداعاتهم لن تتجاوز الباب الخارجي للشركة أو المؤسسة التي يعملون بها، وهو ما يتطلب الالتزام بنصوص القانون من جهة ووضع مجموعة من القواعد الأخلاقية التي تلتزم بها المؤسسات في التوعية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك إجراء التدريبات اللازمة لصناع القرار فيها لاتخاذ قرارات تصب في صالح الأشخاص ذوي الإعاقة.
النظرة السلبية بمجملها يجب أن تتغير في الأردن نحو الأشخاص ذوي الإعاقة ليكونوا أكثر فعالية وقدرة على التعامل مع التحديات وليكونوا عناصر فاعلة في مجتمعاتهم وحتى يصلوا إلى طموحهم ولا يبقى الأمل فقط في الوصول إلى حقوقهم "على الطريق" .. آن لهم أن يتجاوزوا الطريق وأن يصلوا.. فهم أبنائنا وعلينا دعمهم من أجل مستقبل أردني أفضل، وإن كان الطريق طويل، وهنا سأختتم بمقولة لسمو الأمير مرعد بن رعد بن زيد بقوله في مقال له بعنوان: "الأكثر عرضة للخطر ولتحمل الضرر" إن "ما قام به المجلس الأعلى هو واجب وطني تحتمه ضرورات مساندة الأشخاص ذوي الإعاقة ، إلا أننا ونحن نقيم الضرر الذي ألم بالمجلس وأثره الممتد على المستوى المؤسسي الناجم عن تحوله إلى جهة تقدم الخدمات المباشرة عوضاً عن رسم السياسات وتقديم الدعم الفني للجهات التنفيذية؛ فإنه يحتاج منا إلى مضاعفة الجهود".