لا ألوم مجموعة أو قطاعاً خدمياً أو إنتاجياً حين يعترضون على ضرر لحق بهم هنا أو يطالبون بنفع يُحسّن حياتهم هناك؛ فالحكومة بحكم واجباتها الدستورية ملزمة بالجلوس معهم ومحاورتهم، وشرح الظروف التي يمر بها الوطن، والتحديات التي تواجه الدولة، ومحاولة الوصول لحل وسط يحفظ للوطن أمنه واستقراره، ويفوّتُ الفرصة على الحاقدين والمتربصين من أعداء الداخل؛ أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وشياطين الخارج على حدٍ سواء.
في أزمة المعلمين رفضنا الإضراب دون أن نرفض حق المعلمين في المطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، والسبب أن تسييس الإضراب وقبوله كنهج خطير يخلق جسماً داخلياً أقوى من الدولة، ويصنع ثقافة للاستقواء على الدولة وعصيانها في كل خلاف أو اختلاف؛ مما يؤدي -بالقطع- لتقويض الدولة وسلطاتها ومؤسساتها في بلد يعاني من شُحِّ الموارد وقلة الإمكانيات الاقتصادية، والأدهى أنه -وقتذاك- انقسمت نخب الموالاة بين مُحرّضٍ، وداعم خفيٍّ، وصامتٍ ينتظر الفرصة للانقضاض هنا أو هناك بحسب طبيعة نتائج الأزمة وتداعياتها.
لا يجوز لمن اختار الموالاة أن يكون انتهازياً خبيثاً مزدوج الخطاب والنوايا والفعل، ذلك أن مساحات العمل الوطني تتسع للمعارضة والموالاة ضمن ضوابط سياسية أخلاقية دون الحاجة إلى ممارسات القفز الخفي بين التحريض تارة، والدعوة للعقلنة والحوار تارة أخرى. تلك الممارسات القميئة التي تتحمل مؤسسات الرصد الوطني مسؤولية كشفها، ومراجعة معايير وقواعد اختيار رجال الحكم في الدولة بما يضمن سلامة أمنها، واستقرار سلطاتها بعيداً عن الشللية، وتصفية الحسابات، والأحقاد الشخصية.
علينا الاعتراف بأن الذين يحاولون الإطاحة بالحكومة من الموالاة كُثر، والذين يحرضون ضدها أكثر؛ بل أن بعضهم ممن يشغلون مواقع في مؤسسات الحكم الدستورية والعامة وبأساليب لا تليق برجال الدولة الأنقياء، دون أن ننكر الحاجة إلى التدخل الإيجابي لهؤلاء وغيرهم تجاه الحكومة وخصومها بأسلوب النصيحة الهادئة الصادقة التي تحفظ للقطاعات استمراريتها، وللوطن أمنه واستقراره، ودرء المؤامرات والعاديات عنه.
والتدخل في هكذا أزمة تتداخل فيها حاجة الناس والقطاعات من جهة، والتحريض الممنهج من المعارضة وقوى الشدّ العكسي من جهة أخرى.
في فمي ماء، لكن الألم الذي يعتصرنا والقلق الذي ينتابنا يلزمنا البوح الصادق في وطن تربينا فيه على العفة والكرامة والنصرة الوطنية الشريفة، والمروءة التي بتنا نفتقدها في كثير من ممارسات بعض النخب السياسية القابعة في غيّها وضلالها.
أزمة حقيقية وستمر -إن شاء الله- ولعل العبرة التي لم نستفد منها في أزمات سابقة ينبغي أن تكون صوب أعيننا وفي تجليات أذهاننا الآن، وأن نتقي الله في وطننا، وتضحيات قيادتنا التي تجوب الكون من أجل خير الوطن وشعبه، وتضع الثقة في نخبها التي يفترض فيها الإخلاص والتفاني، ومغادرة الخاص إلى أفق العام الذي يخدم الوطن.
لا يجوز تبنّي خطاب التحريض، والوقيعة السياسية، سيّما وأن الدستور وضع الأطر الفاصلة لعمل الحكومة، وأظنها قادرة على معالجة الأزمة بمزيد من الحوار وحسن النوايا بما يتفق مع قواعد المصلحة الوطنية العليا.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.