نحن اليوم في زمنِ نقلِ الصورة الحية من كواكب بعيدة وإرسال الصواريخ لأقرب مدارٍ من الشمس لدراستها ومراصد في الفضاء تصور المجرات في الفضاء السحيق بالألوان التفصيلية وغيرها من منتجات وتطورات لم تخطر علي بال بشر قبل زماننا.
ومع ذلك، كأنهُ كلما ارتقى الإنسان كلما ازداد تعلقه بالسوآت والمحرمات. اليوم يزداد عهر الإنسان وانحداره في كشف أستار السوآت وتحليل ما هو الحرام المنكر الفاحش البين. هو يعلو وبنفس الوقت هو يسقط. لا بد من حكمةٍ في هذا.
تُحَرِّمُ إندونيسيا بالقانون الوضعي العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والمجتمع الإندونيسي بطبيعته الإسلامية يحرم الزنا بالفطرة والدين؛ وترفض جاكرتا زيارة مندوبةٍ أمريكيةٍ معنية بحقوق الشواذ فتنبري أمريكا لتنتقد الرفض والقانون قائلةً أنه سيؤثر على الاستثمار وعلى الأمريكيين الراغبين في الإقامة بأندونيسيا والذين سيرغبون بالعلاقات خارج إطار الزواج.
في روسيا، الرئيس يوقع قرار الدوما منع الترويج للشذوذ الجنسي. أن يقف الرئيس بوتين ليوقع المرسوم في خضم حربه شيء ملحوظ.
في قطر وكأس العالم كان ثم خبى الكر والفر بين مناصري الشواذ ومنظمي الكأس وهنا تهافت الوزراء والفرق الغربية على إظهار دعمهم للشواذ يقول شيئا عظيما.
في الكويت حملةٌ على المتمثلين من الأجانب من الرجال بالنساء وبالتزامن إعلاناتٌ ضد الشذوذ في الشوارع. في أمريكا يحمي الكونغرس بالقانون زواج الشواذ، ليس فقط ببلاده بل في العالم! طبعاً، موقف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة معروفين. في عرفهم لا تستقيم محفظة حقوق الإنسان إلا إن انحنى العالم لحقوق الشواذ. تصنيف الشواذ المتعارف على اختصاره ب LGBTF+ يضم السحاق واللواط وثنائي الهوى وعابر النوع الآدمي وأصدقاءهم. الأصدقاء هم ممن لم يحددوا بعد هواهم المبني ليس على العقل طبعا بل هل ذكر أم أنثى أم بينهما أم كلاهما في جسدٍ واحد أم غير محدد! هذا ما يريده العالم الذي يقوده العقل لاستكشاف الفضاء. وهذا العالم لا يرضى عن العقل ببلاد كثيرة ترفض الشذوذ.
يسعى العقل الغربي عموماً لتوفير الدعم الحكومي الداخلي للشذوذ لكنه غالباً وبإصرار يعبر الحدود. فإن الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تخصص هباتٍ نقدية وعينية للشواذ عبر من يمثلهم من منظمات دولية ومحلية لإعدادهم قانونياً ومجتمعياً في بلادهم متخطيةً، في منح هذه الهبات، كل حد وحدود. فالهدف السامي هو تعلية شأن الشواذ في المؤسسات الوطنية وكذلك الدولية. ولذلك تعج، على سبيل المثال، الأمم المتحدة بكل منظماتها بالشواذ وبعضهم بمناصب رفيعةً جداً ويخاطب الأمين العام لقاء رابطتهم في اجتماعها السنوي. هم لا يسمونهم شواذاً بالتأكيد وهم ليسوا شواذ هيئة وظهور ويتميزون بالذكاء والخبرة والمهنية لكنهم فضَّلوا اتجاههم الجنسي في حياتهم ويريدون القبول من الأغلبية التي ترى الذكر والأنثى بداية ونهاية قصة الحياة.
ويتم إيفاد الدبلوماسيين والخبراء ممن يحملون هذه التوجهات للبلاد النامية وغيرها ليكتسبوا قدرة النفاذ للمجتمعات. وكثيرهم يستترُ خوفاً وتكون له حياته الخاصة الخفية إلى أن يظهر، وهم يريدون لهذا الاختفاء أن يختفي لتصبح حياتهم الشاذة جنسياً علناً مقبولاً. قد عاصرت هذا التوجه في البلاد التي عملت فيها مع الأمم المتحدة سواء من رؤساء أو زملاء أو بعثاتٍ متخصصة. طبعاً يأتي هذا ضمن الحملة العالمية للمساواة بين الناس في الحقوق والتي بدأت بالمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولا غبار عليها طالما أن الحواكم الشرعية موجودة ومطبقة لكي لا تشذ الموازين وطالما العقل والاجتهاد السليمين والحوار الإيجابي ترجح ما هو عدلٌ ونظيف. لكن حملة المساواة انتقلت بالتدريج وبالإصرار لفئاتٍ من البشر ساقوا الجدل أن السوأة البشرية هي أشرف وأعلى مرتبةً من العقل ومن الدين والطبيعة. بل أن البعض يؤلف كتباً دينيةً بعضها إسلامية الدحض والحجة زوراً وتدليساً تبرهن على طبيعية هذا الشذوذ.
نحتار من تدني المعيار البشري للدونية الأخلاقية المنافية لطبيعة البشر. البشر منذ خلقوا تعاركوا للتقارب بين الجنسين المعروفين وكان المتجاوزين عن هذين الجنسين هم من الشواذ وكانوا قِلَّةً مهمشةً. لكنها كانت قلةً موجودة. التاريخ العربي، خاصةً في زمان الحكم العباسي، فيه حقباتٌ موثقة تتحدث عن هوى الناس بالغلمان وتهافتهم عليهم ونظم الأشعار تشبيبا ومديحاً فيهم.
ولليوم هناك قِلةٌ من البلاد الإسلامية تحتفظ بمتمثلين من الرجال بالنساء مهمتهم الرئيسية هي جلب المتعة الشاذة. وفي بلاد كانت مهنة الخادم أو الطباخ في البيت تقتصر على النوع المتأنث من الرجال. وتم التشهير كما نعلم بالكنيسة الكاثوليكية لعدد قضايا انتهاك أعراض الصبيان في مدارسها. وهذه نزوات جرمية يعاقبها القانون ولم تمثل حالة عامة. لكن العبرة أن الشاذ والشاذة لا يقفان على زمن أو مكان أو فئة أو دين. لكن اليوم يشهدُ غزواً للشذوذ لم يعرفه البشر من قبل ولم يسجله التاريخ إلا في قوم لوط ومدينة بومبي الإيطالية المتحجرة. فهل هو غزو التطور أم المسير نحو التدهور؟
القائلون بأن للشواذ حقوقاً لا يخطأون فهم بشرٌ ولهم حقوق. نقطة الخلاف هي أن المجتمع الدولي لا يتفق على ماهية الحقوق هذه. وأن الخلاف صار ألعوبةً سياسيةً تستخدمه الدول ضد بعضها. الكونغرس والدوما. في كل مجتمعٍ هناك شواذ لكن كل مجتمعٍ يعود لتراثه وقوانينه لمعالجة الشذوذ. والحاصل اليوم هو استقواء مجتمعات تقبل الشاذ على مجتمعات ترفضه. وبما أن القابلين يمتلكون نواصي المال والإعلام فالموجة الآن ضمن هذا الغزو هي لترسيخ الشذوذية عبر ما يصلنا من أفلام ومسلسلات وبرامج تلفزيونية تقحم الشواذ إقحاماً وتزرع طبيعية شذوذهم داخل العقول؛ وعبر وثائق دولية وبرامج مساعدات ومناهج. والنقطة الخلافية التالية هي فيما إن كان الشاذ يرتكب فاحشةً أو جريمةً بشذوذه. عندنا، هي كذلك عند إعلانها والتباهي بها أما إن استترها ولم يجاهر بها فللبيوت أسرار لا يقتحمها القانون إلا مضطراً. وعندهم هي اختيارٌ علني، فلهم مهرجانات (مُقرفة) ونواد ومجتمعات وقوانين تحميهم أشاعوا بالفاحشة أم كبتوها. وفي نظرهم كذلك أن المجرم هو من يرفض الشواذ ويحدد حرية الشاذ ولذلك فهو يستحق العقاب. تنقلب الموازين إذاً.
لن تقف الأمور عند هذا الحد. فمثلما اجتاحت المخدرات والمسكرات والإباحيات كافة المجتمعات تجتاح الشذوذية هذه المجتمعات. غداً سيقفز من البيوت أولاد وبنات يؤمنون بحبهم للشاذ والشاذة وستغرق العائلات في دوامة الأذى والخجل والأسى. غداً يتعاطف الناس مع الشذوذ ويعتبرونه حالةً مقبولة وربما كذلك حالةً تشيع المرح والدلال. وأظن البعض وصل لهذه المرحلة. وكما ذكرت فالعمل جاد للوصول بنا لهذه المرحلة بالتحبيب وغسل العقول وبالعقوبات والجزاء والتشويه. عليه، لا يُجدي إلا إلتقاء العقول والخبرات العربية المسلمة والمسيحية لوضع خطة عملٍ تواجه هذا الهجوم الخطير والمصير الذي تقوده كبريات الدول والسوآت في عالمٍ بالعقل والعلم ينظر للسماء ولكنه بالشذوذ يهوي للأسفل.