قد يكون الروابدة أول وزير تربية فكّر برتب المعلمين، حين كلفني سنة ١٩٩٤ بإعداد ورقة عمل حول الرُّتَب. فمن المعروف أن جميع الأعمال والمهن والوظائف تسمح لشاغليها بالتقدم الوظيفي من رتبة إلى أخرى. فالجندي يرتقي عبر سلسلة طويلة من الرُّتَب، كذلك أستاذ الجامعة، وحتى عمال الورشات، أما المعلم، فيمارس عملًا مسطحًا: يبدأ معلمًا وينتهي باللقب نفسه، ولا فرصة له لتغيير لقب معلم -على أهمية اللقب -لأن ٩٩،٥٪ من المعلمين يتقاعدون بالمسمّى نفسه.
بدأنا المشروع بما يسمح لكل معلم مجتهد أن يرتقي ليحصل على رتبة خبير أو مستشار تربوي!
تطوّر المشروع في السنوات الأخيرة، وتشابكت نقابة المعلمين مع البيروقراطية التربوية، ونتج نظام رتب جديد: معلم أول، خبير، قائد!! ووُضعت شروط قاسية جدّا للانتقال من رتبة إلى أخرى! لعل ذلك يحفز المعلمين، ولكنه أدى إلى يأس كثيرين منهم لصعوبة الوصول! وهذا مفهوم أكاديميّا، مع أنه عمليّا أثّر سلبًا على المعلمين!. ما يهمني هنا أن أشرح التناقضات التي أوجدها نظام الرُّتَب!
1- إن الرُّتَب الحالية لم تغير في مهام المعلمين، فالمعلم الخبير يمارس أدوار المعلم غير الخبير ومهامه نفسها! إذن: الرُّتبة أعطت امتيازًا ماليّا وليس مهنيّا، وهذا يفرّغ نظام الرُّتَب من مضمونه وفلسفته! في الجيش وغير الجيش تختلف المهام اليومية باختلاف الرتب! فالتعليم انفرد بالبقاء ثابتًا على المعلم: معلمًا بالنصاب نفسه، والمهام نفسها، وظروف العمل نفسها!
2- وإن رتبة خبير مثلًا، لا تعطي ميزة أخلاقية قانونية! فقد يكون شخص ما خبيرًا في المناهج، أو الامتحانات، أو التدريس، بينما يرأسه شخص غير خبير!! وهذا شائع جدّا، وقد يكون معلمون خبراء في مدارسهم ويكون مديروهم لا يحملون لقبًا.
3- وفي رتبة قائد؛ هناك من يحملون الرتبة - وهم قلّة - سمحت لهم التعقيدات والامتحانات بالعبور، ولكنهم يشغلون- أو لا يشغلون - مراكز قيادية!، بينما هناك قيادات تربوية في الصف الأول بالمئات لا يحملون رتبة لا خبير ولا قائد! لكن من الشائع أن شخصًا لا يحمل رتبة قائد لكنه يقود قادةً برُتَب!!
4- إن وجود رتبة قائد تعني مباشرة أن يمارس عملًا قياديّا، وهذا ما يجب أن يكون، فلا يجوز أن يكون القائد مقودًا من غير القائد!
5- هناك شرط للقائد يتمثل بنجاحه في امتحان كتابي! وهذا يناقض أي فكر إداري، فالقيادة ليست وظيفة يرتقي إليها موظف بامتحان، فالقيادة سلوك يبرز عبر الأزمات والمهام. ولذلك قد يكون القائد زعيمًا أو سائقًا أو حارسًا، في حين لا يستطيع المدير أن يكون قائدًا في كثير من المهام!
ولهذا أقترح أن تُستبدَل رتبة مستشار بالقائد! فالمستشار رتبة ووظيفة، بخلاف القائد.
ملاحظة 1: وفق منطق الوزارة الحالي: كم من قادة الوزارة يحمل رتبة قائد؟ أو حتى معلم أول؟
ملاحظة 2: هل من يعدّون امتحان القائد من القادة؟!