«اعتراف ميركِل»: مَن يُشعِل الحروب؟
محمد خروب
11-12-2022 12:08 AM
فيما تتواصل المواجهات «الصعبة» في الحرب الأوكرانية، وفيما تتزايد المؤشرات على غياب أي أفق لمفاوضات تروم حلّاً سياسياً بين روسيا وأكرانيا. ليس فقط لـ «رفض» الأخيرة خياراً كهذا بل في واقع الحال لأن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأصحاب الرؤوس الحامية في الإتحاد الأوروبي وخصوصاً جنرالات حلف الناتو والبنتاغون الأميركي, الذين يواصلون الإعلان عن مزيد من الدعم العسكري واللوجستي.
عداك عن رصد المزيد من المليارات في العام المقبل. كي تواصل كييف زجّ المزيد من جنودها في أتون حرب خاسرة كما تعترف معظم الدوائر الغربية في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وبخاصة ساسة ومفكرون, ان أوكرانيا غير قادرة على إلحاق «هزيمة استراتيجية» بروسيا، على ما تمنى وصرّح قادة الناتو, الإتحاد الأوروبي ودائمًا في الخارجية الأميركية كما البنتاغون ومستشار الأمن القومي, ناهيك عما كشفته صحيفة «تايمز» اول امس الاحد, أن «واشنطن لم تعد تُصر على عدم قيام القوات الأوكرانية بشن ضربات على الأراضي الروسية»، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة الآن أقل خِشية من أي تصعيد من جانب موسكو».
في خضم ذلك كله «فجّرت» المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قنبلة مدوّية ما تزال أصداؤها تتردد في الأوساط الغربية فضلاً عن روسيا, فيما تلوذ الولايات المتحدة ودول الناتو والإتحاد الأوروبي وخصوصاً فرنسا وألمانيا بالصمت المطبق. إذ قالت ميركل في مقابلة مع صحيفة ألمانية (Zeit) ان «اتفاقيات مينسك كانت تهدف الى منح أوكرانيا الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية», مشيرة الى ان «أوكرانيا استغلّت هذه الفرصة جيّداً وهي - أضافت - اليوم أقوى مما كانت عليه في العامين 2014-2015، بل مضت الى القول في اعترافاتها المثيرة والكاشفة, عن مدى وعمق التواطؤ الغربي وخصوصاً الفرنسي والألماني مع قادة كييف, عبر نوايا مُبيتة وخطّة موضوعة مسبقاً لعدم تنفيذ أو التزام اتفاقيتي مينسك إذ قالت: ان اتفاقيتي مينسك «لم تُنِه» الأزمة بل جمّدتها لفترة من الزمن.. كون حلف الناتو – قالت في كشف آخر أكثر إثارة – لم يَكن قادراً على إمداد قوات كييف بالأسلحة خلال تلك الفترة، بذات الوتيرة التي يقدمها اليوم».
ليس ثمّة ما يمكن إضافته في هذا الشأن، كلام المستشارة الألمانية الأطول مكوثاً في موقعها في تاريخ ألمانيا الحديثة (2005 – 2021) لا يترك مجالاً للشك, بأن ما بعد الذي وُصف ذات يوم «ثورة الميدان» في كييف (18-23 شباط 2014) كان انقلاباً مُبرمجاً لم يكن يستهدف إسقاط الرئيس المنتخب يانوكوفتش فقط, بقدر ما أريد منه استدراج روسيا الى مواجهة عسكرية لاستنزافها وإرهاقها وتقليم أظافرها، خاصّة بعد ما جرى في جورجيا 2008 والتي أسفرت عن استقلال اقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية, وخصوصاً الإنخراط الروسي المباشر في الأزمة السورية في 30 ايلول 2015، وما ترتّب عليها من تغييرات في موازين القوى الإقليمية والدولية على حد سواء.
أضف الى ذلك كله ما شهدته السنوات الثماني التي تلت الثورة الملوّنة في أوكرانيا, من تطورات متلاحقة عبر استعادة روسيا شبه جزيرة القرم وخصوصاً الإعلان (من طرف واحد حتى 24/ 2/ 2022) استقلال جمهورتي الدونباس دونيتسك ولوغانسك، وشروع روسيا في عمليتها العسكرية الخاصّة في ذلك اليوم من شباط الماضي.
ربما يكون مفيداً الإضاءة في عجالة على اتفاقيتي مينسك والثانية، خاصّة أنهما «حظيتا» ليس فقط بدخول فرنسا وألمانيا في «رباعية» عُرِفت باسم «رباعية النورماندي", كدولتين » «داعمِتين » لتنفيذ الإتفاقية (الأولى والثانية) بل خصوصاً في «تبنّي» مجلس الأمن لها ومصادقته عليها بقراره رقم «2202 » بتاريخ 17 شباط 2015, الذي صادق فيه المجلس على «حزمة الإجراءات الخاصّة بتنفيذ الإتفاق».
(ما يُذكّرنا «نحن العرب» بقرارات مجلس الأمن في صراعنا مع العدو الصهيوني وكيف عمل المعسكر الغربي على تعطيلها وإبقائها حِبراً على ورق, مانحاً إسرائيل مظلة متينة من الحماية السياسية والدبلوماسية, كي تستمر في إدارة ظهرها لقرارات وتكريس الوقائع الميدانية من استيطان وتهويد وتهجير وتفريغ الارضي المحتلة من سكانها الأصليين).
تمّ التوصّل لهاتين الاتفاقيتين عاميّ 2014 و2015، في العاصمة البيلاروسية/مينسك. وجرى توقيع الاتفاقية «الأولى» في 5 أيلول 2014، لكن لم يتم الالتزام به، بل خُرق بعد ساعات فقط على توقيعه. بعدها، تم التوصل إلى اتفاقية «مينسك 2» في 12شباط 2015، ووقّع عليه الرئيس الأوكراني السابق/كوتشما ممثلاً عن أوكرانيا، ومُمثلين عن الانفصالِيين، ومُمثلة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والسفير الروسي لدى أوكرانيا وقتذاك زورابوف.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي