النهرُ بِضفتيْه والرجلُ بِأصغريْه
مصطفى توفيق ابورمان
08-12-2022 02:56 PM
يا لهذا النهر المقدس ما أجمل ضفتيه. ضِفّةٌ منه العقل، وأخرى ينبض في قدسها الفؤاد.
أتذكّر النهر وضفتيه، وأجعله باب معنى، قبل أن أقول لرجلٍ من رجالات الوطن: "ما عليك شر يا حشم".
أعرفُ يا معالي الباشا يوسف العيسوي أن المحبّين كثر، وأَعْلمُ أني لست بأفصحهم تعبيرًا عن محبتنا لك، وثقتنا بك، فهي بعض ثقة القائد الأعلى، وقبسٌ من إيمانه بك، وتعويله عليك. ولكن لسان حال وجداني هو الذي يهاتفك يا باشا، وليس لسان بَناني وأطراف أصابعي.
صَدْرُ بيوتِنا لك أيها الجنديّ المعطاء، والمقاتل الشرس دفاعًا عن وطن حملك وحملته، أعطاك وأعطيته، ودفاعًا عن العترة الطاهرة المباركة من آل هاشم، رأيت فيهم حبل وثاق الوطن، وعمود وحدته، ومنعته، ورفعته، وصموده في وجه ريحٍ صرصرٍ عاتية.
فاعلم يا سيدي، يا من تحجل بِفتوّة الشباب نحو عقد العطاء التاسع، أن الوطن كلّه يعتلّ حين يعتلّ بعض من رفعوا فيه المدماك فوق المدماك. واعلم يا رعاك الله، أن الخير في طلّتك، والحدب في وقفتك، وثقة عبد الله الثاني فيك أنت وليست في سواك.
في أزمان قلقة، واضطرابات عاصفة، جنّد الله للوطن حماةً من طرازٍ فريد، ونحن نعلم، ومليكنا يعلم، أنك كنت من هؤلاء الحماة الذين يعملون بصمت، ويطيعون الأوامر، وينقذون الحرائر، وينيرون لمن بعدهم من جُنْدِ القوات المسلحة البصائر.
صرنا نعلم، وقبلنا كان مليكنا يعلم، أن خير البناة أولئك الذين يغدون خِماصًا ويروحون خماصًا كذلك، لا يبحثون عن ملء البطون، بل يذودون بصمتٍ وإخلاصٍ وتفانٍ عن الثغور، نبراسهم أحفاد الرسول، ديدنهم إنجاز المهمات حسب الأصول، سيفهم الوقت، وسهمهم الصمت، مقياسهم نبض القلب لا رفْعُ الصَّوْت.
كن بخير يا وجه الخير، ليظل للوطن من يفديه، ولديوان الهاشميين من بوفاءٍ يعطيه، عند أبوابه فتحتَ للناس أفقا، وجعلته بين الطيبين الكرام صدقًا وحقّا.
هل أبرّ منك للأمهات، هل أندى منك بإتقان الولاء للمكرمات، تعرفُ بوصلة الجهات، ويعرفك النهر الذي يمدُّ المحبةَ بِدماء الحياة، النهر الذي شرقه وصاية، وغربه صلابة وقداسة وسقاية، الذي كتب قصة شعبيْن، صاروا شعبًا واحدًا، من البدايةِ لِلبداية.
النهرُ بضفتيْهِ يا صاحبي، والرجلُ بِأصغريْهِ قلبِهِ ولسانه، فاغنم بِما يبقى وينفع الناس.