يمثل مهرجان الزيتون الوطني بصبغته السنوية، موسم فرح أردني حيث تجتمع العائلات تحت سقف المهرجان للتسويق والتسوق، لمنتجات محلية ذات جودة عالية، مصدرها الأساس شجرة الزيتون المباركة، لتتعدى المعروضات حدود ذلك بعرض مرافق للمنتجات الريفية والمنزلية لتسويقها، بأبعاد ودلالات ومسميات، يجمعها الحس الوطني وأسس التكافل الاجتماعي التي تبني وتربط مجتمعنا الطيب بأهله وتاريخه، فالتجوال داخل أروقة المعرض بانسياب منظم، يجعلك تقدر الجهود الكبيرة للجهات المنظمة التي خططت ونفذت لتجعل منه مناسبة فرح وطنية، تقرأ عباراتها على أوجه الرواد وتلمسها بتصرفات الجميع، فعبارات الشكر والاعجاب هي القاسم المشترك للحديث بمعادلة متساوية المعطيات والنتائج؛ فهناك صاحب البضاعة (بصورته الفردية أو التشاركية) والذي يهدف لتسويقها بالسعر المناسب خصوصا لمادة الزيت التي اعتدنا على تخزينها موسميا، باعتبارها ركنا مهما من أركان الاستقرار العائلي، حتى بتوافرها الدائم بمحلات المواد الغذائية لأن الطعم والمذاق يختلط برائحة الأرض والتراب الوطني، بينما نجد على الجانب الآخر، المتسوق الذي حضر برفقة العائلة للتذوق والاختيار، بمشاهد سعادة كرنفالية، ضمن مساحة من الذاكرة لهذا الموسم السنوي.
تجولت بأرجاء المهرجان، تسامرت الحديث مع العديد من الأصدقاء الذين التقيتهم بعد أشهر وسنوات من الابتعاد، ليجمعنا لقاء فرح متجدد بفخر ومذاق وطني، يبعث الأمل على روح الانتماء لهذا الوطن، فالجميع حضر للتسوق لقناعته بأركان المنتج من حيث أصالته، حيث الرقابة الشديدة والصارمة من إدارة المهرجان بفحص جميع العينات الواردة بمختبرات المركز الوطني للبحوث الزراعية قبل اعطائها اذنا بالعرض داخل محطات المعرض المخصص، ليرتاح الضمير من هاجس الوقوع بمطبات الغش والتزوير، ناهيك عن عودة لذيذة وطوعية لماضينا الحاضر والمشرف عندما تتسوق المنتجات المنزلية المصنوعة يدويا على أصولها بأيد مباركة تبحث عن لقمة العيش، وربما الوقوف أمام الجاروشة اليدوية لتحضير طلبية مادة السمّاق مثلاً، أعطت لبعد السعادة أفقا جديدا يستحق ذكره حتى لا يصبح الأمر من الماضي وفي ملفات النسيان، ففي المهرجان حكايات ورموز لتراثنا، ناهيك عن سعادة غمرتني قرأت فقراتها بين أسطر العبارات لأصحابها والمتمثلة بتواجد المجتمعات الريفية ضمن فعاليات المهرجان، والذي يشكل قيمة مضافة ورافعة في الاقتصاد الوطني لما تقدمه من اثر تشغيلي مباشر وغير مباشر عبر الوظائف التي تستفيد من هذه الصناعات المختلفة، والتي تجد منفذا تسويقيا مجانيا ينعكس ايجابيا على دخل الاسرة والعائلة.
الخطوة الأولى لخطة التحديث الإقتصادي للدولة الأردنية والتي أُفرزت بجهود النخبة المتخصصة، يجب أن تبدأ من المنزل باعتباره الحجر الأساس لتنمية الشخصية وتحديد توجهاتها وترسيخ مبدأ الانتماء الذي يمنع العبثية والأنانية، حيث لا بد من مراجعة لصفحات الماضي للاستفادة منها حيث أمكن ذلك، عندما كانت أرضنا الزراعية توفر الإكتفاء الذاتي بجميع متطلباتنا الغذائية، فكان الاكتفاء الذاتي على مستوى العائلة والحارة والمنطقة، أنموذجاً شائعا عبر مساحة الدولة الأردنية، وذاكرتي الطفولية في بلدتي الحصن تحضرني القول أن جميع المنازل كانت محاطة بجدار من أشجار الزيتون والأشجار المثمرة إضافة لمزارع الزيتون الشاهدة اليوم على ماضينا المتغير، وربما الخطوة الذكية لإدارة المهرجان بتخصيص جناحا خاصا لكل محافظة اردنية لعرض منتجاتها التقليدية تحت سقف واحد، ضمن الخطة التكاملية للأمن الغذائي الوطني، خطوة تستحق التصفيق وتشجع على بلورة فكرة دعم المشاريع الصغيرة للأسر، خصوصا أن هناك أجنحة خاصة للجمعيات الزراعية للتعريف بها وعرض منتجاتها التي تشكل الأساس لتطوير الأفكار والتوسع فيها، كعربون اطمئنان وتأمين.
الجهود التنظيمية للمهرجان وإدارة الموقع، يحاكيها لمسات إبداعية للمشرفين على هذا الكرنفال السنوي والوطني، ويقيني أن جهود وزارة الزراعة ممثلة بوزيرها معالي المهندس خالد حنيفات؛ النشيط والمثابر والداعم بالقول والفعل لتطوير أنماط العمل الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي، إضافة لجهود كوادر المركز الوطني للبحوث الزراعية بأفكار مديره الخلاقة الدكتور نزار حداد، المتواجد في كل ركن من أركان مساحة المهرجان، مجيبا ومفسرا وشارحا وكريما؛ ناثرا الإبتسامة بعفية شفائية، جهود تلزمنا جميعا بتقديم الشكر وتقدير هذا العمل الوطني الذي يعزز روح الانتماء للتراب والوطن، ويجعل للزيت والزيتون الأردني مذاقا خاصا ومهرجانا وطنيا، وعيدا موسميا وللحديث بقية.
الرأي