كما توقعت في مقالتي السابقة قبل أسبوعين ,بعد إجتماع الخامس من كانون أول أتفق أخيراً الغرب ممثلين ب G7 (الولايات المتحدة, المملكة المتحدة ,ألمانيا ,فرنسا ,إيطاليا , كندا واليابان) وبعض من حلفائهم على وضع سقف أعلى لسعر النفط الروسي الذي تبيعه للعالم, ليصبح سعره عند 60 دولاراً للبرميل الواحد, وكنت توقعتُ سقف السعر من 60 - 65 دولاراً للبرميل الواحد, حيث تم عقد إجتماعات تمهيدية لG7 للوصول إلى إتفاق على هذا السعر, فقد ورد بإجتماعهم الأول مقترحاً ليكون السعر 70 دولاراً للبرميل الواحد , وهذا المقترح أتى من الدول الأوروبية التي تشحن بإسطولها البحري ما نسبته 55% من النفط الروسي مثل اليونان وغيرها, في حين ورد بإجتماعهم الآخر مقترحاً من عدة دول أهمها بولندا ليكون السعر 30 دولاراً للبرميل الواحد , كل ذلك للضغط الإقتصادي على روسيا وتقليل الإستفادة من أرباح نفطها لتمويل حربها على أوكرانيا , مما يؤدي إلى عدم تمكنها من إستمرار حربها لفترة طويلة.
وجاء الرد السريع من روسيا كما توقعته أيضاً بعدم بيع تلك الدول التي تفرض هذا السعر كسقف أعلى وهو 60 دولاراً للبرميل الواحد.
لقد تلقت هذه الدول G7 وعلى رأسها أمريكيا المفاجأة الثانية من دول أوبيك بلس في إجتماعها الأخير بعدم زيادة كمية الإنتاج والإبقاء عليه كما هو ,بعكس ما توقعه الغرب الذين أرادوا أن يكون هناك زيادة في الإنتاج في حده الأعلى 2 مليون برميل يومياً وذلك لسببين, السبب الأول :لتصحيح الخطأ الذي إرتكبته أوبيك بلس بنظر الولايات المتحدة بالإجتماع السابق عندما قللوا الإنتاج 2 مليون برميل في اليوم, والذي ألقت الولايات المتحدة اللوم به على السعودية , والسبب الثاني : كانت تعلم بعض من دول أوبيك بلس أنه من الممكن أن يكون هناك نقص في السوق العالمي بعد قرار تحديد سقف السعر للنفط الروسي, بسبب إمتناع روسيا عن بيع من يفرض عليها السعر من هذه الدول, فقامت أوبيك بلس بتثبيت كمية الإنتاج اليومي في إجتماعها الأخير.
إذن سيواجه السوق العالمي نقصاً في المعروض من 1 مليون - 1.5 مليون برميل يومياً, وحيث أن إجتماع أوبيك بلس العادي القادم سيكون بعد ستة شهور مما يعني أن سعر النفط سيرتفع نتيجة عدم كفاية المعروض وخصوصاً إذا تحقق أي من الشروط الثلاث:
الأول: كان هناك إستمرار على طلب النفط من قبل الصين وعدم قيامها بإغلاقات لمنشآتها الصناعية نتيجة إنتشار كورونا عندها.
الثاني: عدم دخول الإقتصاد العالمي في ركود تضخمي ,وذلك إذا تم السيطرة على التضخم الحالي.
الثالث: إذا جاء فصل شتاء قارص وكان هناك تراكم للثلوج غير مسبوق وبرد شديد قد تتعرض له أوروبا وأمريكيا الشمالية وأجزاء من آسيا نتيجة للتغير المناخي .
وبالتالي فإن معدل سعر النفط في العالم القادم لن يقل عن 100 دولاراً للبرميل, وهذا سيخدم بحد ذاته روسيا بحربها ضد أوكرانيا وحلفائها, حيث أن سعر البرميل اليوم قرابة 83 دولار, وأن الدول التي ستمتنع روسيا بيع النفط عنها وهي دول معظمها أوروبية, بإستهلاك من 1 مليون -1.5 مليون برميلاً يومياً من أصل إنتاج روسي يبلغ 9-10 مليون برميل يومي ,ومع السعرالجديد 100 دولار للبرميل سيكون هناك تأثر بسيط بهذا القرار, لا بل من الممكن أن تتغلب عليه روسيا و تُحقق أرباحاً إضافية وذلك بعزمها شراء 250 سفينة لنقل النفط والقيام بالأعمال اللوجستية كاملة والإعتماد على نفسها لتأمين زبائنها, وخصوصاً أن معظم نفطها يذهب إلى الهند والصين.
في الخلاصة إن هذا القرار الذي تم اتخاذه بوضع سقف سعر 60 دولاراً لبرميل النفط الروسي سيضر بأوروبا والولايات المتحدة , ومن الممكن أن تقوم الولايات المتحدة باستخدام احتياطاتها الاستراتيجية النفطية العام القادم لدعم إقتصادها نتيجة زيادة الإسعار النفطية, بينما ستزيد مُعاناة أوروبا وسيؤدي زيادة أسعار النفط إلى مزيد من الخسائر في صناعاتها, نتيجة عدم منافستها للصناعات والبضائع الأمريكية, وكذلك الصينية والهندية اللتان تشتريان النفط الروسي قبل هذا القرار بأسعار تشجيعية.
لذلك على الدول التي تتحالف مع بعضها عدم الإنجرار بقرارات سياسية قد تضر بإقتصاداتها لخدمة حلفائها كما حصل مع الأوروبيين لغاية الآن, ويدفع ثمنها الشعوب الأوروبية من غلاء في أسعار الطاقة والسلع الغذائية والضرر الذي لحق بصناعاتها مما إنعكس على إقتصادها .
الخبير الإستراتيجي في المجال السياسي والإقتصادي والتكنولوجي
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com