هل يجوز ان ندعو على الآخرين ، وان اختلفوا معنا في الدين او المذهب بالهلاك؟
راودني هذا السؤال وانا استمع الى خطيب الجمعة وقد جمع كل ما يخطر في البال من ادعية لطلب العذاب والثبور والويل لكل من لم يؤمن بالاسلام ، معتديا علينا اوغير معتد ، ظالما لنا او غير ظالم.
في الحديث النبوي الشريف حين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ادع على المشركين؟ قال: "اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة" وحين طلب منه بعض الصحابة ان يدعو الله بان يهلك المشركين خالفهم في ذلك ودعا صلى الله عليه وسلم بان يخرج من اصلابهم من يعبده ولا يشرك به احدا.
بعض فقهائنا يجيزون الدعوة على عموم الكافرين والظالمين ولكنهم لا يجيزون الدعاء على شخص بعينه والاولى -كما يقولون - ان ندعو لهم بالهداية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون" اما الشيخ القرضاوي -مثلا - فيرى ان الله تعالى لم يأمرنا -مثلا - باطلاق اللعنة على ابليس وانما امرنا بالاستعاذة بالله منه ، لان الاصل في المسلم الا يكون سبابا ولا شتاما فهو يحمل رسالة الهداية والخير للعالمين ومن الواجب عليه ان يتعامل معهم باخلاق الاسلام لا باخلاقهم هم.
علاقة الانسان بالخالق عز وجل تدور في دائرتين: احداهما دائرة العدالة حيث البشر عيال الله تعالى وعباده وهم مكرمون لذاتهم ولا يجوز "مس" ذاتهم او لعنها ، وانما الحكم على ظاهر سلوكهم اما هدايتهم ومصيرهم وحسابهم فمتعلق بالخالق وحده ، وفي دائرة العدالة لا يظلم الله احدا ولا يبخس الناس اعمالهم "ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
اما الدائرة الاخرى فهي دائرة الرحمة ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء وقد سبقت عذابه وهي متعلقة بقدرة الله وعفوه وحظوظ البشر منها والمخلوقات بيده تعالى ، فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكل الذنوب ما عدا الشرك به تعالى منوطة بغفرانه ورحمته.. وهكذا.
في الدائرتين: العدالة والرحمة لا يحق للانسان ان يحكم على اخيه الانسان ولا ان يحاسبه الا في اطار "المعاملة" في الحياة الدنيا فمن اعتدى علينا يجوز لنا ان نعتدي عليه واذا اردنا ان نتسامح او نتسابق في الخيرات فمرد ذلك وتقديره لنا.. وانما الحكم دائما لله فهو الذي يأمرنا -مثلا - بالايمان بالرسل وعدم التفريق بينهم فيما يفضل سبحانه رسلا على اخرين وهذا شأن متعلق به تعالى وما علينا الا ان نطيعه فيما امرنا به.. وهو تعالى الذي يلعن الكافرين والظالمين والفسادين لانه يعرف ظاهرهم وباطنهم ومصيرهم اما نحن فمطالبون "بالدعوة" لكل العالمين بالهداية والنجاة لان الدعاء عليهم بالهلاك لا يعطينا المزيد من الثواب ولان "بعض" كفرهم نحن مسؤولون عنه بسبب تقصيرنا عن حمل الدعوة اليهم وتبليغهم ما وصلنا من هداية.
ما احوجنا اليوم -كأمة - الى فقه الرحمة في انفسنا ومع الاخر والى فقه التدافع نحو الصلاح والاصلاح لا نحو الدعوة بالويل والهلاك ..اليس كذلك؟
(الدستور)