عبر سنوات وعقود مضت وحتى قبل الإنترنت وبعده كان يظهر بين الحين والآخر ما يسمى خريطة العرب الجديدة، وكنا نقرأ عن تقسيم هذه الدولة أو تلك وغيرها من التضاريس الجغرافية والسياسية، وبين مصدق ومكذب كانت تمر الأيام، لكننا اليوم نعيش خريطة جديدة للمنطقة ربما لا تشبه الخرائط التي كنا نشاهدها لكنها خرائط جديدة.
ربما تكون فترة ما يسمى الربيع العربي قد سرّعت بعض الأحداث لكن العمل بدأ قبل ذلك، ونتذكر في منطقتنا ورغم النكبات والهزائم لكن كان هناك حالة سياسية معقولة، كان العراق بلدا قويا، وكانت سورية دولة تؤثر في الإقليم، وكانت إسرائيل عدوا بغض النظر عمن يحكمها، ولم تكن اليوم ساحة موت وعبث، ولم تكن قرارات إدارة بعض عالمنا العربي تصدر من طهران.
اليوم هنالك خريطة جديدة، فإسرائيل وباستثناء بعض أعمال المقاومة في الداخل مرتاحة سياسيا، ومنظمة التحرير وكل فصائلها في أدنى مستويات التأثير، وكل حكومة في غزة أو رام الله سعيدة بسلطتها، والعراق تغيرت هويته وفقد الدولة أي الخدمات والحياة الطبيعية والقصف على أجزاء من العراق يأتي من إيران ومن تركيا.
وسورية تم تقاسمها بين الأعداء والأصدقاء مع حرية لإسرائيل في القصف كلما أرادت، ومن لديه القدرة على صناعة تنظيم أيا كانت هويته فسورية حاضرة كجغرافيا، وكل تنظيم له ممول ومشغل.
وحتى الدول التي نجت من الفوضى الأمنية والسياسية فإن أولوياتها تغيرت وتعاني من أزمات اقتصادية أو سياسية أو مهددة بالإرهاب أو منظومات ومشكلات داخلية تستنزف جهدها وتغير أولوياتها.
هي خريطة جديدة أشد أثرا من التقسيم أو تغيير الحدود لبعض الدول، فالخريطة في تفاصيل كل دولة داخليا، وحتى مفاهيم الانتماء للدولة فقد تأثرت بما يجري وأصبح استباحة أحدنا لوطنه في الشتيمة وتقليل المكانة سهلا، بل ويعتبره البعض جزءا من البطولة.
هنالك استباحة للذات في داخل هذه الأمة، والعروبة قد نجدها جزئيا عند انتصار في كرة القدم لدولة عربية، وكثير من المفاهيم والأشخاص والرموز فقد بريقه.
هذا ليس وصفا متشائما لكنه الخريطة الجديدة التي لا تنتظر صحوتنا لتتغير كل يوم، جغرافيا الأولويات والمضمون التي هي أهم من جغرافيا الأرض والتراب.
(الغد)