العقل وعاء الفكر وعكة المعرفة وبوتقة العلم والناطق الأول بالقول وميزان التوجه والتوجيه وميزاب الكلام، واذا استقام استقام معه اللسان واتزنت الجوارح وتحققت الحكمة واستقامت المواقف وانتصب الحق وزهق الباطل.
وحتى تكتمل صورة العقل المشرقة والمواقف الجميلة لا بد أن يكون الصبر والصمت مقترنا بنواة العقل والرجاحة والاتزان لصيقا بلب العقل وان يكون الجوهر عاملا وحاضرا في كل مناسبة للكلام.
قيل قديما وحاضرا (اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، ولكن هذا ليس مطلقا وإنما مقيدا بنشوء المواقف وطبيعتها واطرافها وماهية المتحدثين وطبيعة الحديث وما سينجم عنه من نتائج.
وذاك ابن المقفع يصف صديقه فيقول" اني مخبرك عن صديق لي كان أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيهـ وكان صامتا طول الوقت فإذا تحدث بذ القائلين (بمعنى غلب المتحدثين).
ويقولون المجالس مدارس فيها يتعلم الناشؤون ومنها ينهل المتعلمون وفيها ينضج الباحثون َويتخرج القائلون.
الفصاحة تنتفي بكثرة ذر الكلام حينما يكون في غير موضعه، ولا يشد مستمعا ولا يروي غليلا ولا يشبع فارغا ولا يناطح سحابا ولا يستقر في عقل حاضر.
يظنون ان قليل الكلام أبله او ضعيف او عاجز وينسون ان حكمته طغت على قوله فلا يتحدث الا في زمانه وفي جوهر الأمر بعيدا عن التشدق والجدل والعبث مستبعدا نافلة القول جازما بالحاجة والحكمة ملبيا لجل الموقف نافرا من الهزل والابتذال.
فن الحديث وعمق المتحدث وصوابية الرأي ميزان العقلاء ومنهج الأدباء ومدخل الظرفاء.
لا يغضبون (بفتح الضاد) ولا يغضبون (بكسر الضاد) ولا ينحازون ولا يتطاولون ولا يتشدقون.