لدى إيران مليون مشكلة يستطيع الغرب إثارتها في وجه الملالي في طهران وقم بدء بتقييد حرية المرأة مرورا بانعدام الحريات السياسية والدينية لغير الشيعة الجعفرية وصولا إلى احتلالها لاراض تابعة لدول محيطة بها وليس انتهاء بقمعها للاقليات العربية والكردية والاذرية والبشتونية وغيرها من القوميات الاخرى، لكن مثل ذلك لا يحدث ويصمت الغرب عن كل هذه الخطايا والمصائب ويركز خطابه على موضوع الملف النووي الايراني وهو بالمناسبة برنامج متخلف لا يزال في بداياته فهل من سبب لهذا الصمت الغربي ازاء تلك الخطايا الجوهرية والاكتفاء بالمناورة صوب الملف النووي ؟ نعم، فالسبب الذي يدعو الغرب لممارسة هذا الصمت هو ذلك التواطؤ الاستراتيجي الذي يربط النظام في طهران بالغرب وواشنطن على وجه التحديد، بدءا بتسهيل احتلال العراق وتمرير العملية السياسية التي ترعاها واشنطن مع حلفاء ايران في بغداد مرورا بالاشتراك في المذبحة الكبرى التي قارفتها قوات الناتو بحق السنة من الباشتون في افغانستان، لكن التحالف الاكثر جذرية تتبدى ملامحه في تقارب الاهداف الايرانية الاميركية حد الانطباق في النظرة تجاه الحالة العربية، فالعرب يمثلون بنكا للاهداف الاميركية الايرانية يجري السحب منه بلا حساب خدمة للقوة الكونية الاولى اميركا وللقوة الاقليمية الاولى ايران في ذات الوقت، وتتقاطع المصالح الايرانية مع تلك الاميركية في عدة محاور: - اذكاء روح التنابذ المذهبي بين سنة وشيعة من شأنه خدمة طهران داخليا بتقوية العنصر الجامع لدولة الملالي الجعفرية على حساب الشعور القومي الذي يشكل تهديدا لوحدة تلك البلاد متعددة القوميات كما يمنحها مواطئ قدم مذهبي في الاقطار العربية، لكن اذكاء التمذهب عربيا من شأنه ادامة الاحتلال الاميركي للعراق وجعله مهددا بالتقسيم ووضع العربية السعودية ودول الخليج ذات الاقليات الشيعية في مأزق فضلا عن وضع الكتلة الشيعية في لبنان ( المعادية لاسرائيل) في موضع الدفاع عن النفس، ورب قائل ان حرب تموز الاخيرة في لبنان ليست سوى مناورة اسرائيلية ايرانية بالذخيرة الحية، تاتي في سياق التنافس بين القوتين العظميين اقليميا ، بمعنى ان اذكاء التمذهب مصلحة ايرانية اميركية وعامل تفتيت للعرب.
- تنمية الاحساس بتعاظم الخطر الايراني على العرب من شأنه امتصاص الفوائض النفطية التي تحصلت جراء ارتفاع اسعار البترول وتحويل تلك الفوائض الخليجية صوب التسلح وتشغيل مصانع الاسلحة الغربية في حين تستفيد إيران من ذلك بغلق الأبواب امام توظيف تلك الاموال الطائلة في نهضة تنموية عربية بما يبقي العرب اقل شأنا من أن يسهموا في صياغة مستقبل المنطقة.
- لأميركا مصالح حيوية في الإقليم النفطي الممتد من بحر قزوين وحتى شواطئ عمان وإيران ليس فقط لا تعطل تلك المصالح بل تخدمها من خلال تسهيل المهمات أمام الاستراتيجية الاميركية الكونية المتعلقة بالطاقة وتضع نفسها في خدمة هذه الاستراتيجية الاميركية سواء في التغاضي عن سيطرة الشركات الاميركية أومن خلال تقديم أراضيها لمرور أنابيب النفط عبرها وصولا إلى أسواق الاستهلاك الكبرى.
- كبار المثقفين والاستراتيجيين الإيرانيين المرتبطين بنظام الملالي يروجون لنظرية دولة الدور الإقليمي المقبول دوليا وهم بذلك يدخلون عن تقصد على الخط الإسرائيلي وهذا ما يثير حنق الإسرائيليين لكنه لا يغضب رب العمل الكوني ، فإيران وفق هذه النظرية تريد أن تدخل المنطقة كمنافس لإسرائيل وليس كعدو لها في خدمة الرؤية الغربية للمنطقة وهذا من شأنه جعل إيران تتبرع بتقديم الخدمات المجانية لواشنطن سواء في العراق أو في أفغانستان أو غيرها للتأكيد على حيوية الدور الإيراني الخدمي للغرب.
جملة القول أن الاشتباك الاستراتيجي في المنطقة - وللأسف الشديد - يتم بلغات ثلاث هي الإنجليزية و العبرية والفارسية أما اللغة العربية فقد فقدت أبجديتها حتى إشعار آخر.