مرعب حد الصدمة هذا «الخوف المعتق» داخل الإنسان الإسرائيلي المحتل، هذا الخوف الذي يعكس الشعور الدائم «بالدونية الأخلاقية»، وهو شعور مستقر بأعماق ذات المحتل وعقله ولا يغادرهما ولا للحظة واحدة، والذي يترافق مع طنين دائم في أذنيه كطنين النحل يقول له «أنت سارق وأنت محتل وأنت مجرم».
إذا فهمنا هذا التشخيص لنفسية المحتل وعقله نستطيع فهم حقيقة الرعب الذي ينتابه من أي شيء فلسطيني أصيل يكتشفه هو بذاته أو يعلم به من الغير ولا يستطيع تزيفه أو وأده أو اغتياله، ومن هنا يمكننا فهم الهجمة الضارية المرعوبة على فيلم «فرحة» الذي وبكل أسف ما زال يدافع عن نفسه بقدراته الفنية العالية وبسردية المظلومية الفلسطينية التاريخية في مواجهة حملة الاحتلال ضده، الحملة التي تريد قتل «فرحة» وعدالة قضيتها وترفض مظلوميتها وتريد خنق صوتها وقتلها.
الفيلم وبكل بساطة يروى ومن خلال الفتاة «فرحة» بنت القرية التي تحلم بالعيش في المدينة وإكمال تعليمها وانخراطها في الحياة والمجتمع يروي قصة فلسطين، إلا أن أحلام فرحة تحطمت على صخرة المحتل الذي احتل قريتها عام 1948، والفيلم مستوحى من قصة حقيقية جسدته المخرجة الأردنية «دارين سلام»، كما أنه من إنتاج الأردنيتين ديمة عازر وآية جردانه، ويروى المأساة الفلسطينية من خلال تسليط الضوء على الأعمال الإجرامية والأفعال الإرهابية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين العزل.
لربما لم تكن تدرك دارين سلام مخرجة الفيلم ولا طاقم الممثلين أو المنتجين أن هذا الفيلم سيهز كيان المحتل ويفقده بقايا «رزانته الكاذبة وحضاريته الزائفة» ويجعل قادته يخرجون عن أطوارهم ويطاردونه بالتشويه والأكاذيب أو القتل بالمنع من العرض، يحركهم الرعب من أن يسكتمل العالم علاج «انحراف نظره التاريخي» للقضية الفلسطينية وعدالتها في عيادات الفن والثقافة والرياضة وكل عناصر التحضر الحقيقية ومونديال قطر اليوم هو أحد أهم هذه العيادات المهمة والمؤثرة.
حاول الاحتلال منع عرض الفيلم في مسرح «سرايا» في يافا لكنه فشل في ذلك رغم علم القائمين على المسرح أنه سيعاقب من قبل ما يسمى بوزارة الثقافة بوقف الدعم المالي له وعلق ما يسمى بوزير الثقافة لدى الاحتلال هيلي تروبر قائلا: (.. ان تقديم مسرح إسرائيلي منصة لهذه الأكاذيب والتشهير هو وصمة عار)، كما بدأت جماعات الضغط الصهيونية في التأثير على موقع (IMBD) المتخصص بتقيم الأفلام من أجل إزالة الفيلم عن الموقع أو خفض تقيمه، كما تتواصل الضغوط وبقوة لمنع عرض الفيلم في مسابقة الأوسكار كفيلم أردني في الموسم القادم في العام الج?يد.
أما افيغدور ليبرمان وزير المالية في حكومة الاحتلال المنتهية ولايتها فقد صرح قائلا: (من الجنون أن تبث «نتفليكس» فيلما هدفه خلق ذريعة كاذبة والتحريض على كراهية الجنود الإسرائيليين)، يتحدث ليبرمان الذي أصبح مواطنا يحمل جنسية المحتل عام 1978 وكأنه وصي على التاريخ المزيف لدولة الاحتلال وهو «الذي كان يمتهن حراسة النوادي الليلية في مسقط رأسه في مولدفيا قبل هجرته للكيان المحتل».
من أهم ما تؤشر عليه هذه الحملة ضد «فرحة» هو زيف الحديث عن التحدي أو المواجهة الحضارية، فالكيان لا يريد أي صوت يتحدث بالحق الفلسطيني ويريد فرض معادلة صراعية مرسومة على مقاسه لا يحمل فيها الفلسطيني أو العربي أو المسلم إلا يافطة الاستسلام.
أتذكرون إسحاق شامير؟ هذا الرجل الذي هزته قصيدة محمود درويش (عابرون في كلام عابر) واعتبرها قصيدة ضد السامية وتحدث عنها من على منبر الأمم المتحدة!
أتعلمون لماذا؟
لأن المبدع محمود درويش نزع عن المحتل في تلك القصيدة ما تبقى من إنسانيته وأبقى فقط على بشاعته كمحتل وفي أدق التفاصيل.
أعتقد أن شامير كان متذوقا جيدا للشعر وبخاصة (الدرويشي) منه!
(الراي)