مدينة العميان .. بلسان فارسي
ماهر ابو طير
28-10-2010 05:02 AM
ذهب شاعر فارسي الى حكيم كبير يشكو اليه من عدم تذوق الناس لشعره ، ومن مضايقتهم له ، فوق ذلك ، فأرخى الحكيم وجدانه مستمعاً لشعر الشاعر ، حتى يتبين معدن كلامه. اعجبه شعره كثيراً ، واسف بمرارة لان من حول الشاعر في تلك البلدة النكدة ، لا يقدرون الكلام ، ولا ما فيه من معان ، وصور رائعة ، ولم يجد الحكيم الا ان يقول للشاعر الفارسي وبلغة فارسية جميلة كلاما فيه الوصف والدواء.
قال له بعد ترجمتها الى العربية: الى متى تعرض جواهرك على من لا بصيرة لهم.. اخرج من مدينة العميان بنفس السرعة التي خرج فيها النور من عيونهم.
والشاعر ولى الادبار واختفى هارباً من مدينة العميان بعد "الجوهرة" التي القاها الحكيم في عقله ، لان الحكمة استنارت بكلامه ، حين اعتبر ان المشكلة ليست في الشاعر وانما في العميان الذين يحيطون به.
الوصف بالعمى رائج دائماً ، وفي كلام الله الكثير من هذه الصور ونقرأ في كلام الله عبداً يسأل العزيز ويقول.. "رب لًمَ حشرتني اعمى وقد كنت بصيراً ، قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى".
فقدان بصيرته في الدنيا سلبه البصر في الاخرة ، فالبصر والبصيرة ، كالدنيا والاخرة ، ظاهر الاشياء وباطنها ، سطح البحر واعماقه.
في كلام الله ايضا "فبصرك اليوم حديد" وهي صورة تناقض العمى تماماً ، والصورة ترتسم انسانياً وسماوياً بشكل واضح ، اذ ان الفرق كبير بين صاحب البصيرة وفاقد البصيرة. تعبير العمى في القرآن ثم في اللغات لم يكن الا تعبيراً عن غياب "الام" اي البصيرة ، لان العمى العادي ليس آفة ، بل انجب غياب البصر مبدعين ومتفوقين واسماء لامعة على مر التاريخ. المؤكد هنا ان تعبيرات العمى لم تكن الا صورة من صور غياب البصيرة ، وشاعرنا الفارسي الذي قرأ ما خلف كلام الحكيم لم يكن محاطا فعلياً بعميان ، بل بفاقدي بصيرة ، غير ان الصورة رائعة ، حين وصف المدينة بمدينة العميان.
في حياتنا كثرة مثل الشاعر الفارسي ، وكثرة ايضا من العميان ، والعبرة ان الشاعر لم يجد حلا سوى الخروج من مدينة العميان ، لان الامل في عودة البصيرة اليهم فتضيء ابصارهم ، كان وهماً.
ما اكثر العميان ، وما اندر المبصرين ، والمستبصرين ايضاً.
mtair@addustour.com.jo
الدستور