كلّما رأى مسوّغاً للتوجيه، قادته الشخصية العسكرية نحو التوجيه والإرشاد.
يشير الملك للإصلاح. يضع خططا حصيفة لرفد السياسة والإقتصاد ورتقهما وفق شروط عالمية تمتزج بالخصوصية الوطنية، يقاتل كيلا تتسع الخروق على راتقها، وكيلا يمتد الصدع ويرحب.
في نطاق واجبه القيادي المسنود بإرث شريف، ينافح الملك عن صورة العربي المنهارة في العالم، ويقدم العروبة فكرة شهية النضوج متصالحة مع شروط العالم المنغمس في القيم المادية، فكرة تلقى قبولا مريحا أسس لاحقا لعلاقات دافئة مع الغرب والشرق، علاقات نأى بها عن طويّة الإنحياز، مغلّفة بالفكر الهاشمي ومسنودة بمبادىء العروبة والدين، وقدم بين يدي ذلك، مواقف في السياسة راسخة وحكيمة، اتسقت مع ما يراه العالم المتقدم من شروط قويمة للقيادة، في فصل الخطاب وقوته وبلاغته، في استقبال المهجرين واللاجئين، في تقديم الوسطية في القرار وفي التنفيذ، فبات رقما صعبا في حسابات الساسة، وحظي بقبول لا يراه الناس في سواه من القادة، قبول مقترن بالحكمة والإعتدال، لتثمر غراسه القويمة احتراما استثنائيا للأردن، في المساعدات وفي اللجوء للحكمة الأردنية حين يقرر ساسة الغرب الحديث عن مآلات الشرق الأوسط والإقليم.
وحده الملك من يحمل لواء فلسطين. كلما نامت نواطير الساسة في العالم عن ثعالب المستوطنين وورثة نظام الآبارتايد، كلما أغفل العالم قضية العرب بافتعال أزمات آنية، وحده الملك من يعيد التذكير بأن قضية فلسطين هي أسباب القلق الذي يعتري الإقليم، وأن حلولها التي اتفق عليها العالم واجبة التنفيذ.
يوازن الملك بين النهوض بعبء تسويق الفكرة العربية في سوق العالم الذي يرى بضاعة قيّمة ويحملها على الحكمة الوازنة، وبين استنهاض سرائر النخب السياسية والإجتماعية وضمائرهم، حيث يلوّح بفكره الواسع الشمولي إلى أن غُرّة الإصلاح هي "برامج واضحة الأهداف ومحددة زمنيا بمخرجات يلمس أثرها المواطن".
موقن جلالته تماما بأن البلد تصارع تداعيات الإقتصاد والسياسة وظروف مثيرة للقلق في الإقليم والعالم . وهو موقن تماما بأن مفاتيح الحلول تكمن في مواجهة معاضل البدء بإصلاحات سياسية حقيقية.
يريد الملك ان تسمع الدولة من الناس. ماذا يريدون وكيف يرون اصلاحا أردنيا في السياسة والإقتصاد. في صون الحريات وحفظ حقوق الإنسان، في مجلس نواب وقوانين انتخابات أعضاءه ، في مبتدأ حكومة برلمانية تتداول سلطتها احزاب ممثلة في البرلمان، تنهض بعبء السياسة والإقتصاد والتطوير القطاع العام وترشيقه، وإدارة حصيفة لموارد الدولة.
هذه زبدة الكلام في الإصلاح السياسي، وهذا كلام يقوله المنصفون عن ملك استثنائي، دائب الحركة والنشاط، على يمينه ولي العهد، وقد استوى على منصة الفرسان في ميادين الجيش وفي قاعات الحكومات، يسعى مع المخلصين لهذا التراب المقدس، في رفعة الوطن وفي استدامة نموه وفي مواجهة ما يغالبه الناس من فقر وبطالة وعوز.
على الحكومات التقاط الإشارات الحكيمة، مطلوب منها في أول الواجبات، ألّا تخذل الملك، وأن تتشكل فرق عمل ميدانية إثر كل توجيه ملكي، لتقرأ واقع الناس وتضع حلولا ليست مستحيلة لعلاج آفات الإقتصاد قبل أن تعصف بالناس. هذا مختصر الكلام ومفتتحه.
(الراي)