كأس العالم الحالي من أمتع، وربما أمتع ما شاهدنا للآن؛ والسبب قوّة الفِرَق المشاركة والتّقارب في مُستوياتها.
لم يَعدْ هنالك بوْنٌ شائع بين فِرَق بعينها، وبالذات الأوروبية والأمريكية اللاتينية، وغيرها.
ومن هنا جاءت المفاجآت، بخصوص من خرج من الدور الأول، ومن تأهّل للثاني.
آسيا دخلت بقوة، وكذلك أفريقيا. وهذا تطوّر مهم، لإنهاء الاحتكار الذي ساد عقوداً.
دروس عديدة تستفيدها الدول المشاركة؛ تلك التي استهانت بخصومهما، فدفعت الثمن غالياً؛ وتلك التي بذلت أقصى جهودها فوجدت أن ذلك لا يكفي، وتلك التي أعدّت العدّة كما يجب، فظهرت بمستوى غير مسبوق.
هذا على نحو عام.
أما بالنسبة لنا نحن العرب، فهنالك درسان:
أولاً، نفخر بأداء الفِرَق العربية كافة، إذ كانت في الغالب على قدر الحدث. نقلة كبيرة في الأداء، مع أنّ بعضها بحاجة لبذل جهود أكبر للمنافسة على القمة.
خسارة أنّ مصر والجزائر لم تتمكنا من التأهل للمونديال، فقد كان أداؤهما مشرفاً.
أما بالنسبة للنشامى، فنفتخر بالمستوى الرفيع الذي وصل إليه بفضل الجهود الطيبة التي بُذِلت في السنوات الأخيرة. وليس أدلّ على ذلك من الصورة المشرقة التي رسمها المنتخب في اللقاء الودّي مع إسبانيا.
الأداء كان مُميزاً، من حيث الاحترافية في نقل الكرة، ونُضج اللعب، والثّقة التي يتمتع بها الفريق. وإن كانت النتيجة أقلّ من المتوقع فإنّ الأداء فاق التوقعات.
ومن هنا نقول، إنّ مباريات كأس العالم، الودّية والتنافسية، فرصة ثمينة لتقييم الذات ورسم خارطة طريق المستقبل.
وبالنسبة لنا في الأردن فيجب أن نضع التأهل لكأس العالم المُقبل أولوية أولى، لأن لدى فريقنا الخامة التي تُؤهله لذلك.
ثانياً، من أهم الدروس أن احتكاك لاعبينا باللاعبين الدوليين المرموقين هو، في تقديرنا، العامل الحاسم في تطوير الأداء ورفعة المستوى. وكان هذا الأمر واضحاً في مباريات الدور الأول.
ولا نقصد هنا اللعب وديّاً مع فرق عالمية، مع أن هذا أمر جيد، بل نقصد إدخال البعد الدولي المُستدام على مستويين: التعاقد مع مزيد من اللاعبين الدوليين المرموقين في أنديتنا، من جانب؛ وإتاحة الفرصة للاعبينا أن يلعبوا محترفين في أندية عالمية، من جانب آخر. والمستوى الثاني، في اعتقادنا، هو الأهم.
وليس أدلّ على ذلك من أن تميّز أداء منتخبي المغرب وتونس، ومنتخبات اليابان وكوريا الجنوبية وبعض الفرق الأفريقية، يعود بالدّرجة الأولى إلى أن العديد من لاعبيها يلعبون في أندية عالمية كبرى.
عندما تلعب مع الكبار يكون لعبك كبيراً: مهارةً، وحضوراً، ونضجاً، وثقةً، ولياقةً..
نَعِي أنّ تحقيق هذين الأمرين ليس سهلاً، لأنّ هنالك جهوداً كبيرة يجب أن تُبذل وعمل مُضنياً ينتظرنا، إضافة إلى الكُلَف المادية؛ لكنّ ذلك لا بُدّ منه إذا أردنا تحقيق قفزة في الأداء ودخول نادي الكبار.
الكثير من التفكير والتخطيط والعمل الدؤوب ينتظرنا على عدة أبعاد، من أهمها إعطاء أولوية للرياضة المدرسية والرياضة في الأحياء والأندية، لتكون قاعدة ينطلق منها شبابنا الموهوب نحو العالمية.
جميل أن نُنافس في كأس العالم، ونفوز أو نؤدي أداءً مُشرّفاً؛ فلسنا أقل من غيرنا.
والكرة منذ اليوم في ملعبنا.
(الراي)