الإتحاد الأوروبي وواشنطن .. أزمة ثقة زاحفة
حسين بني هاني
03-12-2022 03:03 PM
يبدو ان استياء الإتحاد الاوروبي من واشنطن قد بلغ اشدّه، بسبب الإجراءات الحمائية التي اتخذها البيت الابيض لصالح الشركات الامريكية والتي لم يأخذ بها الرئيس بايدن بعين الاعتبار "مصالح شركائه في الإتحاد" حين صادق في آب الماضي على قانون دخل حيز التنفيذ يقدم بموجبه البيت الابيض ٤٣٠ مليار دولار كإعانات للشركات الامريكية فقط لكبح جماح التضخم بسبب الحرب الاوكرانية التي حاولت دول الإتحاد تجنبها، إذ بدأ هؤلاء يكيلون الاتهام للإدارة الامريكية بالتنكر لهم بعد ان نالت منهم أزمة الطاقة بسبب هذه الحرب، مما ينذر بتفاقم الخلاف بين واشنطن والاتحاد الاوروبي، خلاف يمكن ان تستفيد منه موسكو في حربها مع اوكرانيا.
صحيح ان بايدن تعهد لأوروبا بسد بعض النقص الذي سببه توقف ضخ الغاز الروسي، ولكن الشركات الامريكية باعته لهم بأربعة اضعاف قيمته في السوق الامريكي ،وهو ما ألحق الأذى بالصناعة الاوروبية وجعل المستهلكين في القارة العجوز يتميزون غيضًا بسبب ارتفاع اسعار الطاقة التي جلبت حسب قولهم المنافع والثروة الطائلة للشركات الامريكية، وبما يشبه غنائم الحرب التي اكتوى الأوروبيون بنارها، مما جعل بروكسل تتهم واشنطن بالتكسب من الحرب التي توشك ان تكسر ظهر الأوروبيين.
فرنسا المتضررة من هذه الحرب، جعلت ماكرون عشيّة استعداده لزيارة واشنطن يصف القانون الاميركي بانه "عدوانيٌ للغاية" وان سعر الغاز الأميركي "ليس وديًا" ، فيما اعتبره ساسة أوروبا بأنه غير عادل لانه لا يشمل الشركات الاوروبية المتضررة بسبب الحرب، وأنه سيشكل ضربة قاصمة لاقتصادهم ، في وقت تحاول فيه القارة العجوز السيطرة على تداعيات هذه الحرب.
الغضب الأوروبي من واشنطن لم يقتصر على الرئيس ماكرون، بل شمل معظم ساسة أوروبا الذين أخذوا يتهمون مسؤولين امريكيين بجني الثروة من الصراع الروسي الامريكي في وقت تعاني فيه دول الإتحاد وتتألم بعد ان هددت إعانات بايدن وتجاهله لمصالح الإتحاد جميع الصناعات الاوروبية بالركود ،وهو ما شجع بعض الشركات الاوروبية العملاقة للتوجه للولايات المتحدة للاستثمار فيها والاستفادة من القانون الأميركي،وهذا ما دفع مؤسسة أوروبية للأبحاث الى وصف الأجواء بين الطرفين بأنها "سامة " فيما وصفت وزيرة التجارة الهولندية القانون بأنه "مقلق للغاية" وان تأثيره على الاقتصاد الأوروبي سيكون "كبيرًا جدا ومدمرًا " .
حسب المحللين ، هذا القانون ينذر بحرب تجارية على طرفي الأطلسي،هي أكثر ما يتمناه بوتين لانه قد غيّر بنظرهم قواعد اللعبة الاقتصادية بين القارتين ،الأمر الذي دعا بعض السياسيين للتساؤل ما إذا لا زالت واشنطن حليفة لهم ام لا في ظل تلك الإجراءات ؟، خاصةً بعد ان شوهت مبدأ المنافسة التجارية بين الحلفاء، وهو ما سيضطر معه الإتحاد الاوروبي لتقديم اعانات مالية مماثلة لشركاته لا يقوى عليها للمحافظة على الصناعات الأوروبية، وهذا ما دفع نائب في البرلمان الالماني للقول إن ما تواجهه أوروبا مع واشنطن هو "أزمة ثقة زاحفة " .
لمشكلة لدى الإتحاد الاوروبي كما يقول البعض ،ان الضربة جاءت من حليف بات هو صاحب المصلحة في إستمرار الحرب في اوكرانيا في وقت أصبحت فيه الطاقة الروسية سلاح بوتين الرئيسي في حربه ضد اوكرانيا باعتبارها الموارد الروسية التي تسدد تكاليف الحرب،والمؤلم كما يقول بعض المحللين إن أوروبا هي التي تدفع هذه الاموال وباتت كمن تمّول حرباً ضد نفسها ،المؤسف فيها ان واشنطن تريدها ان تكون طويلة.
ومع أن أوروبا نجحت في خفض وارداتها من الطاقة الروسية كما تقول مجلة ناشونال انتريست، إلا أن الندرة العالمية لهذه السلع جعلت أسعارها مرتفعة للغاية، وهو ما أرهق الاقتصادات الأوروبية بعد ان اصبح الاتحاد الاوروبي يدفع حسب المجلة نحو مليار دولار يوميًا لنظام بوتين مقابل حصولها على قدر أقل من الطاقة، وهي مفارقة لم تعد تطيقها القارة الاوروبية بينما يستفيد منها بوتين بعد ان اصبحت عوائده منها تصل الى ٣٣٨ مليار دولار ، وهو رقم أعلى بكثير عما كان يحصل عليه قبل غزو اوكرانيا وأقل من حيث كمية التصدير ،مما يجعل الحرب الروسية على اوكرانيا مربحة مالياً .
في ظل ما سبق، فإن صبر القارة الاوروبية يوشك ان ينفذ،خاصةً وهي تحسب خسائرها جراء الحرب ليأتي القانون الاميركي هذا كي يجهز على كل ما تبقى لها من أمل لإنقاذ صناعتها المتضررة، وهو الرفض والاحتجاج الذي حمّلته دول الإتحاد للرئيس ماكرون لنقله الى البيت الابيض وفق بعض المحللين كي لا تتعرض العلاقة بين طرفي الأطلسي لأزمة تطيح بالإتفاق المعلن بينهما لمواجهة الغزو الروسي لاوكرانيا ،وهو الأمر الذي يتمناه بوتين وينتظره بفارغ الصبر.