يبدو أن إشاراة المفاوضات التي أُطلقت الأسابيع الماضية لم يتم إلتقاطها جيداً من بعض الأطراف في الحرب الروسية – الأوكرانية, أو أن هناك نية لبعضم لإستمرارها لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية السياسية والإقتصادية .
لقد نفذ صبر الدُب الروسي حيث لم يتبق أمامه خيارات كثيرة, كونه يعلم أن الحرب تسير به إلى إستنزاف ستكون صعبة أمامه إذا إستمرت للعام القادم وما بعده, لقد بدأت روسيا بالفعل تطبيق خطتها الحربية التي رسمتها بمراحل حيث لم تجد طاولة المفاوضات من يجلس عليها , فبدأت بتكثيف الضربات الصاروخية على جميع المدن الأوكرانية وذلك لتدمير البنية التحتية بالكامل من محطات الكهرباء والتدفئة ومراكزتخزين السلاح وغُرف القيادة وشبكة المواصلات التي تستخدم للنقل اللوجستي لجبهات الحرب ,وذلك للضغط الكبير على أوكرانيا والغرب, إضافة إلى تهجير قسم كبير من السكان المدنيين إلى أوروبا التي لم يعد بمقدورها تحمل الوضع لما تعانيه من ضغط في الشارع الأوروبي وغلاء الأسعار من طاقة وسلع غذائية , كل ذلك دفع بالرئيس الفرنسي ماكرون إلى زيارة الولايات المتحدة لمناقشة ما سيتم إتخاذه من إجراءات,فهو يريد من قادة الولايات المتحدة الوصول إلى نتيجة منظورة لحل المشكلة الأوكرانية وإنقاذ أوروبا من ورطتها.
إن ما واجهه الرئيس الفرنسي في زيارته أن الولايات المتحدة لا تزال تفكر بدعم أوكرانيا عسكرياً من خلال المذكرة الرئاسية لتمويل الحرب الأوكرانية التي أرسلت للكونغرس الأمريكي بطلب تمويل يبلغ 38 مليار دولار ,وكذلك التفكير بتزويد الأوكرانيين بمنظومة صواريخ باتريوت , وهي الموجودة في ألمانيا والمخصصة أصلاً لبولندا , إضافة إلى التفكير بإرسال طائرات ف16 من بولندا ,ومنظومة القبة الحديدية من إسرائيل, كل ذلك لحماية الأجواء الأوكرانية من القصف الروسي العنيف كخيارات سريعة .
على الجانب الروسي قامت روسيا بتهديدات قوية بضرب أي جهة تحاول تقديم أسلحة نوعية قد تؤثر على مجريات المعركة حتى لو كانت من وراء البحار وتقصد بذلك الولايات المتحدة, لا بل وقامت بعرض عضلات غير مسبوقة وكأنها تقول الحرب لم تبدأ بعد,فقد أدخَلت للخدمة الصاروخ المرعب سارمات RS 28 الذي يبلغ طوله 28 م ووزنه 220 طناً وهو بحد ذاته منظومة صاروخية بالستية عابرة للقارات لا تستطيع أي منظومة دفاعية التصدي له , وهذا الصاروخ قادر على حمل 10 رؤوس نووية يكفي لتدمير مساحة تقارب 700 ألف كلم مربع ,وبسرعة 24 ألف كلم في الساعة والطيران بمدى 18 ألف كلم , إضافة إلى طائرات سو 30 س م المقاتلة ذات القدرات الفائقة والتي شاركت مؤخراً بقصف أهداف قريبة من خيرسون ,وذهبت روسيا أيضاً لتسيير دورية قاذفات جوية مشتركة مع الصين مشكلة من 6 قاذفات روسية وقاذفتين صينيتين فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي وذلك دعماً للصين حليفتها الأولى.
وكذلك تحريك وتجهيز صواريخ نووية لتصل كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا خلال 3 دقائق, وأخيراً التجهيز لإسقاط جميع الأقمار الصناعية التي تغطي مسرح عمليات المعركة وخصوصاً إذا بدأت بحربها البرية من الشمال.
لماذا فعل ذلك الدب الروسي؟ لأنه أيقن أن الحرب على وضعها الحالي ممكن أن تستمر على أقل تقدير عامين آخرين مما يجعل الوضع الروسي العسكري والإقتصادي صعباً جداً , لذلك بعد هذا العرض والتهديد , أكملت روسيا تحضيراتها لمعركة الشتاء البرية, فقد عززت قواتها المتواجدة في المقاطعات الأربع لصد أي هجوم أوكراني بتعزيز 50 ألف جندي روسي تم تجهيزهم بمعدات قتالية, إضافة إلى وضع اللمسات الأخيرة للدخول إلى أوكرانيا من الشمال من جهة روسيا البيضاء بقوات تتراوح من 150-200 ألف جندي روسي من الذين قامت بتعبأتهم خلال الأشهر الماضية ,إضافة إلى وضع المطارات الروسية في حالة تأهب قصوى والسفن البحرية في البحر الأسود كذلك , فهل إقتربنا من ساعة الصفر؟
نأمل ألا يحدث ذلك , ويكون هناك وقت كافي لتقديم حلول ومبادرات لتجنيب العالم تبعات وآثار ما قد تؤدي له دخول هذه المرحلة من الحرب.
الخبير الإستراتيجي في المجالات السياسية والإقتصادية والتكنولوجية
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com