أسئلة الهوية .. وأجوبة التاريخ والجغرافيا
سليمان بن غيث
01-12-2022 05:33 PM
من السذاجة أن تسمع البعض يتحدث عن إعادة تعريف (للهوية الأردنية) والبعض الآخر يتحدث عن مراجعات فكرية ونمطية لها، وعندما تدخل في نقاش فكري محايد مع مثل هؤلاء تجد بأنهم عاجزون عن تعريف الهوية بمفهومها المجرد، فما بالك بالمفهوم الوطني الشامل؟؟.
والهوية باختصار: مجموع الخصائص العامة لمجتمع من المجتمعات التي تميزه عن غيره، وبذلك، فهي ذات بعدين: البعد الأول اجتماعي إنساني ويتراوح معك ما بين القبيلة والعشيرة وحتى الشعب أو الأمة أو مجموع الأمم ذات الصلات المشتركة، والبعد الثاني يتعلق بالخصائص العامة ، وهذه الخصائص مختلطة تتراوح بين الثقافة واللغة والدين والأدب والعادات والتقاليد والأعراف واللباس وغيرها مما يميز فئة اجتماعية معينة عن غيرها من الفئات.
وعلى هذا المفهوم، لا يصح عزل الهوية الأردنية عن مفهوم الأمة الشامل، وهي هنا الأمة الإسلامية الممتدة من الشرق إلى الغرب، ثم بعد مفهوم الأمة الإسلامية يأتي مفهوم القومية العربية التي تميز العرب عن غيرهم من الأعراق الداخلة في مفهوم الأمة الإسلامية ، وبين العرب أنفسهم يأتي الأردن جغرافيا ضمن بلاد الشام، ولكنه ليس معزولا عن امتدادات قبائل الجزيرة العربية جنوبا وقبائل العراق شرقا.
وعلى هذا الأساس، فالذين بالغوا في مفهوم الهوية الأردنية بارجاعها إلى عهد المؤابيين والعمونيين والأنباط مخطئون، وربما كان رجوعهم هذا كردة فعل على المتساهلين في الهوية لدرجة الانسلاخ عن الموروث التاريخي والجغرافي والاجتماعي لصالح مفهوم الاغتراب الذي وضعوه كشرط للعبور للمستقبل. فكلا الطرفين مخطئان، لأن الهوية المميزة للشعب الأردني مقارنةً بالشعوب العربية المجاورة ليس لها أي ارتباط مؤابي أو عموني ، تماما، كما إن الشعب المصري لا يستمد هويته من الحضارة الفرعونية، بل من أسس الحضارة الإسلامية والقيم العربية التي انطلق بها العرب من الجزيرة العربية إلى كل أرجاء العالم العربي اليوم.
وللدلالة على ذلك، ليس هناك أوضح من دراسة مزايا الهوية العربية لدى مجتمعات البادية، من بوادي العراق شرقا إلى بوادي شنقيط غربا، تجد اهل البادية يستقون من ذات المنبع، ولا تكاد تجد إلا النزر اليسير من الاختلاف في الهوية رغم التباعد الجغرافي والتاريخي الذي يمتد لأكثر من ألف عام.
هكذا نحن، اردنيون عرب، ورثة الفتح الإسلامي الأول ، وكل من هو أردني اليوم، لا بد بأنه منصهر في هذه الهوية ومندمج بها ، ولا يجد حرجا في التوشح بها ، بعيدا عن نظريات الاغتراب ، او نظريات المبالغة في إيجاد سند تاريخي هلامي لا يمتُّ لنا بأي صلة.