ميرا ومسؤولية الدعم الثقافي
سامح المحاريق
01-12-2022 05:03 PM
أغضبت رواية "ميرا" للأديب قاسم توفيق الأردنيين عندما طرحت ضمن مشروع مكتبة الأسرة، وأعتبرها الكثيرون مؤذية لمشاعر القراء لنجد أنفسنا أمام نفس المعضلة المكررة حول فكرة الثقافة والإبداع.
التزمت طوال حياتي باتخاذ موقف مناهض لمصادرة الكتب أو الروايات وحتى قبل تواجد الإنترنت الذي يجعل فكرة المصادرة في حد ذاتها غير منتجة على الإطلاق، وعلى العكس من ذلك، تدفع مصادرة الكتاب إلى شيوعه وانتشاره، ويحب بعض الكتاب أن تخضع أعمالهم للمصادرة والمنع، ويستفيدون من ذلك.
لدي تحفظات كثيرة على الرواية، غير الأسباب التي دعت إلى سحبها من العرض في مشروع مكتبة الأسرة، هي تحفظات فنية في جوهرها، طريقة السرد نفسها لم تعجبني، وذلك رأي شخصي، ولا أرى مانعاً من احتفاء بعض الناس من الرواية، وما يكتبه بعض النقاد في مديحها، ولكن تحفظي الأساسي على استراتيجية النشر في مكتبة الأسرة.
المكتبة ممولة من الدولة الأردنية، ويفترض أن تعمل على تحقيق رؤية الدولة، فإذا كان الحديث في هذه المرحلة عن الإصلاح السياسي والاقتصادي، فأريد أن يطرح المشروع كتباً لفريدريش هايك بوصفه من المدافعين عن الليبرالية الاقتصادية، مقابل كتب لجون كينز الذي يناصر تدخل الدولة في الاقتصاد، هذه أمور ستثري وستمكن الشباب والناشئة في فترة (تسوقهم) السياسي بين برامج الأحزاب الجديدة.
التمويل الحكومي يجب أن ينفق بصورة حكيمة ومسؤولة، فالتمويل غير كاف، والمشروع موسمي لا يغطي الكثير من المتطلبات، ولذلك، فالتنوير يجب أن يحضر قبل الإبداع الذي لم يعد مقيداً بأية حدود، وكثير من المواهب تستطيع أن تفرض نفسها خارج سطوة طرق النشر التقليدية.
هل تعتبر المكافأة المتعلقة بالنشر وسيلة لدعم المثقفين؟ حسناً، ما الذي يقدمه ذلك للمتلقي وفي هذه الحالة هو مواطن أردني تعمل الدولة على جعله مزامناً للعصر ومتبنياً لكثير من القيم الضرورية وواعياً بأصالته وتفرده، فما الذي يمكن أن تقدمه رواية ابداعية تعبر عن تقاطعات حياة كاتبها وقناعاته.
لتوضيح الأمر، وفي حالة توجه الدعم لنشر رواية روسية، وكان الاختيار بين الحرب والسلام لتولستوي والأخوة كارامازوف لدوستويفسكي، فالخيار سيكون لمصلحة الحرب والسلام لأنها تقدم روح روسيا وتأملات في علاقتها مع أوروبا وهواجسها تجاهها، وذلك مرتبط بما يجري في العالم من قلق روسي يعبر عن نفسه في حرب أوكرانيا التي أثرت على العالم بأسره، أما الأخوة كارامازوف، وعلى الرغم من قيمتها الأدبية وموقعها المتقدم بين روائع الإبداع الإنساني فهي لا تقدم قيمة مماثلة للقارئ الأردني، صحيح أنها يجب أن تتوفر في جميع المكتبات العامة والجامعات والمدارس، ولكن طباعتها على نفقة الدولة مسألة مختلفة.
تدور المجاملات من جديد، المبدع الأردني يشتكي ويصدر مظلوميته، ووزارات الثقافة المختلفة تعايش علاقة مرتبكة مع المبدعين، يريدون نشر أعمالهم في الدوريات، ودعماً من أجل الطباعة، واتاحة الفرصة للنقاد لتقديم قراءات حول هذه الروايات، والواقع، أن هذه الوضعية كلها بحاجة إلى مراجعة عميقة، فإذا كان هدف المبدع هو الوصول إلى الناس، فمؤسسات النشر لم تعد عائقاً، وكثير من الكتاب والشعراء في صفحاتهم آلاف الأصدقاء والمتابعين، فما الذي يمكن أن يضيفه نشر كتاب في خمسمائة أو ألف نسخة، ولماذا على الوزارة أن تتحمل هذه التكلفة؟
متى يتحول العمل الإبداعي إلى جزء من ضمير الأمة؟ بمعنى أن يصبح جزءاً من تركيبة هويتها وشخصيتها، زنوج وبدو وفلاحين - غالب هلسا، وأنت منذ اليوم – تيسير السبول تستطيعان أن تقوما بذلك الدور، فهل تكون الأقدمية هي المسألة الأساسية والجوهرية؟ مع أن الصمود أمام الوقت والبقاء في حالة الاستحضار يعتبر انجازاً لا يتحقق إلا للقليل من المبدعين، إلا أنه أيضاً يمكن أن تؤخذ في الاعتبار أعمال حديثة نسبياً مثل يحيى – سميحة خريس، عملاً يستحق الالتحاق بالتركيبة الجمعية لأنه يقدم فصلاً غير مكتشف بالصورة الكافية من التاريخ الأردني ترك أثره على ملامح الشخصية الأردنية.
يقدم تاريخنا وفكرنا نماذجاً نحب أن نقدمها لأبنائنا وللشباب الذين يشكلون ثروتنا الحقيقية، أما ميرا والروابي وغيرها فهي تقدم قطاعات مجتمعية، لا ننفيها ولا ننكرها ولا نصادر حقوقها، ولكن ببساطة لا نعتبرها من بنية ثقافتنا الجمعية ولا من أولوياتنا، فمثلاً، يجب أن نهتم بفكرة تحسين وسائل التعبير السياسي والمشاركة في الريف والبادية من خلال تشجيع طريقة التفكير المستقلة، وكلها أمور تبدأ من الثقافة وتتقاطع معها، فالثقافة مفهوم واسع يجمع بين "رباب ربة البيت.. تصب الخل في الزيت" وبين "إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر"، وكلاهما يمتلكان الفرصة من أجل العيش، ويبقى السؤال وموضوع المسؤولية.. على حساب من؟