فوز البترا .. بؤس الخطاب الوطني
فهد الخيطان
11-07-2007 03:00 AM
توظيف فني وسياسي مكشوف لا يليق بالمناسبة ويسيء الى رموز الدولةوفرت الحكومة وبيت الانباط لعدد من الاعلاميين الفرصة ليشهدوا الاحتفال بفوز البترا ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع في موقع المدينة الوردية والمشاركة في مؤتمرنظمه الزملاء في بيت الانباط بهذه المناسبة.
مثل ملايين الاردنيين كنا نتابع بلهفة وقلق اعلان النتائج وغمرتنا مشاعر فرح لا توصف حين نطق عريف الحفل في استاد لشبونة اسم البترا.
فرحنا لفرح الاهل في وادي موسى الذين عبروا عن مشاعرهم باحترام يليق بالبترا وفي وجوههم كنا نقرأ اسئلة كثيرة تتصل بتحديات المستقبل بعد الفوز والتكريم العالمي لمدينتهم العظيمة. وبينما كان الطامحون باستثمار الفوز ماديا اطلق الدكتور باسم الطويسي رئيس هيئة بيت الانباط تحذيرا بعد ساعات على اعلان النتيجة من خطر يهدد البترا جراء سياسات استثمارية خاطئة ومطالبا بخطة طوارئ للمحافظة على قيمة المدينة الاثرية من العبث.
بيد ان فوز البترا كان مناسبة فريدة لامتحان الخطاب الوطني على كل المستويات ورصد مدى البؤس الذي وصلنا اليه وتجلى ذلك في ما قُدم من اعمال فنية خاصة بالمناسبة او في الخطاب السياسي الذي حاول اختطاف الفوز بطريقة فجة من جهات عدة.
على مدار عدة ساعات سبقت اعلان النتائج امطرنا التلفزيون الاردني بوابل من الاغاني يدعي اصحابها انها وطنية لا علاقة لها بالمناسبة باستثناء اغنية واحدة تروج التصويت للبترا بجمل ركيكة وغير متوازنة ولحن يوتر الاعصاب. وفيما العالم كله يحتفل بالبترا في استاد لشبونه ويقدم عروضا فنية رائعة وفقرات غنائية لاشهر المطربين العالميين كان على الجمهور الاردني المسكين الاستماع الى فنانين مغمورين يقدمون نصوصا رديئة بكل المعايير الفنية فيها سطو على التراث وتوظيف بائس للموروث الشعبي بكلمات ساذجة والحان هزيلة لا تليق بالمناسبة.
ولم يتردد جلهم ولغايات معروفة من استخدام اسم جلالة الملك في اغانيهم واقول هنا بوضوح ان ما قُدم من اعمال فنية ينطوي على اساءة لجلالته ينبغي ان تتوقف فليس من حق احد ان (يتاجر) برموز الدولة بهذه الطريقة المكشوفة وعلى نحو يتناقض تماما مع الخطاب الملكي الجديد الذي يسعى ليل نهار لصياغة معادلة متطورة وراقية للعلاقة بين الدولة والمجتمع. لان ما نشاهده في الحقيقة هو خطاب تزلف يعتقد اصحابه واهمين ان المديح بمناسبة وغير مناسبة لجلالته كفيل بالوصول الى ما يطمحون من مناصب ومكاسب.
وما شهدنا من بؤس في الخطاب الفني ينسحب على الخطاب الاعلامي والسياسي الذي حاول وباسلوب تعسفي تجيير الفوز لاشخاص بعينهم.
يحق لنا جميعا ان نجعل فوز البترا مناسبة لاظهار الاعتزاز الوطني الاردني واعلاء قيم الانتماء للوطن ولاحظنا جميعا كيف انفجرت مشاعر الفرح على وجوه الاردنيين وفاضت احاسيس وطنية صادقة وحارة, كل ذلك امر طبيعي نعتز به, الوجه السيء كان الخطاب السطحي الذي عبرت فيه الادوات الرسمية عن نفسها.
لم نكن نحتاج الى اغان هابطة في مناسبة حضارية كهذه, كان كافيا ان نُذّكر الناس بمسرحية الفنانة الكبيرة فيروز عن البترا واغنيتها الرائعة عن المدينة والتي لم تجد مكانها للاسف طوال ساعات الاحتفال بالمناسبة, ونتذكر سيرة الانباط وحضارتهم كي نتعلم منهم فن الحياة بين الصخور عوضا عن التوظيف الساذج للتاريخ.
نريد ان نطوي صفحة الاحتفال بعد كل ما جرى ونكّرس وقتنا للتعامل مع تحديات المرحلة الجديدة حتى لا يصدق قول احد الزملاء ان فوز البترا اكبر منا.