الكثير من الاحاديث التي خرجت بعد فوز البتراء اشارت الى ضرورة استثمار المرحلة القادمة وتحويل هذا الانجاز الحضاري الى منفعة اقتصادية وإعلامية اردنية.
هذا الحماس مشروع وجزء من الفرح، لكن العبرة دائما بعد ان تهدأ العواطف، وتدخل الى مرحلة العمل التي تحملها الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
المشكلة الحقيقية ليست في الافكار الكبيرة فقط، بل في العقلية التي يتم التعامل فيها مع البتراء كمعلم سياحي وحضاري نادر، وعلينا ان نتذكر ان البتراء ليست مكتشَفة اليوم، بل لنا معها تجربة سلبية في ادارتها، وما فشلت فيه الحكومات والهيئات السياحية هو ان تجعل البتراء هدفا مباشرا للسائح العربي والاجنبي، لهذا وجدنا استثماراً واستغلالا من شركات سياحية مصرية وإسرائيلية للبتراء لكن ليس في سياحة الاردن، بل سياحة ايلات او تل ابيب ومن ضمنها ساعات من نهار يأتي فيها السائح الى البتراء سواء في الباص عبر المعبر او بما يسمى سياحة الباخرة او القارب.
وكان واضحا ان الحكومات وفي مقدمتها وزارة السياحة تنظر الى البتراء باعتبارها مصدرا لجمع رسوم الدخول، ولهذا كانت السياحة في مدينة البتراء ضعيفة، والتركيز من وزارة السياحة على الرسوم التي يدفعها السائح عند دخولهم البتراء وهي (20) دينارا لغير الاردني، وكنا وما زلنا نسمع عن مشاكل العديد من فنادق البتراء لضعف السياحة.
عقلية جمع الرسوم احدى المشكلات، واحيانا هنالك اردنيون أُجبروا على دفع (20) دينارا رسم دخول لأن "سِحَنهم" اقرب الى الاجانب، ومن هذه الحالات سيدة اشتكت الى رئيس الوزراء خلال زيارته البتراء يوم الاحد الماضي من انها دفعت رسم دخول لأنها تشبه الاجانب رغم انها من عشيرة اردنية، طبعا الرئيس لم يجد اجابة الا مجاملة للسيدة بقوله: انها تدفع ضريبة الجمال، لكن يبدو ان وزارة السياحة تطلب من القادم ان يحمل دفتر عائلة وهوية شخصية وكأنه ذاهب الى انتخابات بلدية وليس للسياحة.
وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة لم تكونا تعملان على صناعة حالة سياحية متكاملة باستثمار البتراء ووادي رم والعقبة بقدر ما كانتا تركزان على منفعة محدودة وهي الرسوم، ولهذا وباعتراف الكثير من اهل الاختصاص فإن من يأتي الى البتراء من سياح وما فيها من عملية سياحية اقل بكثير مما يمكن ان يكون لو كان العمل جادا ومنهجيا.
البتراء قيمة حضارية انسانية تحتاج الى الكثير من العمل لخدمتها. والسائح اردنيا كان ام اجنبيا يحتاج في رحلته من البوابة وحتى العودة الى عدة ساعات ليشاهد معظم معالم المدينة السياحية، لكن البتراء تخلو في داخلها من دورات مياه مثلا، التي لن تغير من طبيعة التاريخ لأن البتراء في الداخل مكتظة بالخيام التي تبيع الماء وزجاجات التراب الملون والعصير، وهنالك طريق اخرى غير السيق نصفها معبد ونصفها ترابي وصعبة لكنها تُفتح للمسؤولين لتصل سياراتهم حتى الخزنة، لكن صيانتها وتعبيدها يمكن ان يوفر الكثير من الجهد على السائح، طبعا بما لا يتعارض مع الشروط الدولية.
وربما تحتاج الحكومة وهي تفكر بهذا الى ايجاد حل حقيقي لمشكلة الخيول والابل والحمير التي تنقل السياح، لكنه حل يراعي حياة اصحاب هذه الدواب الذين يعتمدون على هذه الهيئة وتوفر لهم دخلا ممتازا، ويحفظ للبتراء فرصتها للتخلص من الآثار السلبية لاستخدام الدواب، طبعا يُفترض بأي حل ان يكون اصحاب الدواب شركاء فيه ويضمن لهم رزقهم، واعتقد ان الحكومة تفكر بدء المعادلة المتوازنة.
سنسمع عن خطط واستراتيجيات، لكن الهدف بسيط وواضح وهو استثمار البتراء سياحيا واقتصاديا وإعلاميا، بما يعود بالنفع الاقتصادي على الاردن والمنطقة وأهاليها، ونخشى من تعدد الجهات والمرجعيات وظهور المجالس والهيئات.
من الضروري ان نبقى متفائلين، لكن لنتذكر ان فوز البتراء فرصة لا تتكرر وهي مقياس لقدرة الدولة على استثمارها.
sameeh.almaitah@alghad.jo