الموازنة العامة للدولة والموازنة المأمولة
فيصل تايه
01-12-2022 12:10 AM
أقرّ مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم الأربعاء برئاسة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، مشروع قانون الموازنة العامّة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكوميّة للسنة الماليّة ٢٠٢٣ ، تمهيداً لإحالتهما إلى مجلس الأمّة وفق الاطار الزمني وفي الموعد الدستوري لاستكمال الإجراءات الدستوريّة بخصوصهما ، في حين أعلن وزير الماليَّة محمَّد العسعس ووزير الاتِّصال الحكومي فيصل الشّبول تفاصيل مشروع القانون خلال مؤتمر صَّحفي عقد في وزارة الماليَّة ، استعراض فيه وزير المالية ملامح الموازنة العامة للعام المقبل ، والمقدرة بـ ١١.٤ مليار دينار أردني .
ان من اهم التوقعات التي اشار إليها وزير المالية هي أن معدل التضخم في الأردن سيبلغ خلال العام المقبل ٣.٨%، وهي نسبة "من أحسن النسب عالميا" كما أشار ، ذلك مقارنة بالعديد من الدول الشقيقة والعظمى التي تقدر نسبة التضخم عندها في مستويات أعلى بكثير" ، فيما سيكون معدل النمو الحقيقي للعام ٢٠٢٣ عند نفس نسبة العام ٢٠٢٢ ، وهي ٢.٧%" حيث معدل النمو الاسمي يبلغ ٦.٦%" ، اضافة اى أن عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات كنسبة من الناتج المحلي "سينخفض" من ٧.٩% إلى ٦.١% ، فيما ستصل الإيرادات العامة التي تتضمن الإيرادات المحلية والمنح إلى ٩.٦ مليار دينار أردني خلال العام ٢٠٢٣ ، بارتفاع ٧.٤% عن موازنة ٢٠٢٢ وبارتفاع ٩.٦% عن إعادة تقدير العام ٢٠٢٢ ، بينما سترتفع الإيرادات المحلية إلى ٨.٨ مليار دينار أي بارتفاع ١٠.٤% عن العام ٢٠٢٢ ، حيث سترتفع الإيرادات الضريبية بما تسبته ١١.٧% لتصل إلى ٦.٦ مليار دينار دون رفع أي ضريبة، أو رسم أو فرض أي ضريبة أو رسم .
اما فيما يتعلق بايرادات ضريبة الدخل وكما جاء على لسان الوزير ، فمن المتوقع ارتفاعها بما نسبته ١٤.٤%، وذلك دليل على جهود دائرة الضريبة في محاربة التهرب والتجنب الضريبي وتطبيق القانون ، بينما سترتفع الإيرادات غير الضريبية إلى ٢.١ مليار دينار أي بزيادة ٦.٦%، وهي نفس نسبة النمو الاسمي للاقتصاد في العام ٢٠٢٣، فيما يتوقع أن تصل المنح الخارجية إلى ٨٠٢ مليون دينار أي بارتفاع ٠.٨% عن العام ٢٠٢٢م ، فيما نجد تأكيدات من الوزير على أن مشروع الموازنة لا يتضمن أي رفع للضرائب والرسوم ، ولا فرض لاية رسوم او ضرائب جديدة ، مع الالتزام بالزيادة السنوية للموظفين كما هي دون أي تغيير .
ان ما يلفت هو الحفاظ على الانفاق الرأسمالي عند نسبة قريبة من النسبة في هذا العام ، ما سيكون هناك مخصصات لتنفيذ رؤية "التحديث الاقتصادي" مع العلم أن مخصصات رؤية التحديث الاقتصادي في الموازنة تقترب من ٣٥٥ مليون دينار ، اضافة الى خفض للعجز الأولي للموازنة من ٣.٤% إلى ٢.٩%" ، ومن المتوقع "انخفاض للدين العام بسبب جهود مكافحة ومحاربة التهرب الضريبي والتجنب الضريبي والجمركي التي آتت أكلها ، حيث استطاعت المالية العامة أن تحصل مستهدفاتها من الإيرادات دون رفع العبء الضريبي على المواطن .
انا ما طرحه الوزير العسعس في هذا المؤتمر الصحفي أمر مهم ويحمل في مضمونه مؤشرات ايجابية ، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها الحكومة فيما يتعلق بمقدرتها على تحقيق الايرادات ، حيث كان من الضرورة على الحكومة ايجاد المخارج الواقعية للولوج من بوتقة التجاذبات السفسطائية الموروثة وتحاول قدر استطاعتها عدم زيادة العجز ، فالحكومة اولا واخيرا معنية وضمن مجمل التحديات بضبط العجز الكلي في الموازنة وعدم زيادته ، وفي نفس الوقت اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحفيز الاقتصاد ، وكذلك فان علينا متابعة المؤشرات والارقام التي تتضمنها الموازنة لضمان تحقيقها مع نهاية عام ٢٠٢٣ .
إن المؤشرات الواضحة في بيان الحكومة وهي تعلن الميزانية السنوية العامة ، سعيها لاتخاذ إجراءات تصحيحية مالية وإدارية قوية وشجاعة تجعل المصلحة الوطنية العليا للوطن فوق كل الاعتبارات ، ذلك أن العجز المتكرر والمتلازم سنوياً لأي ميزانية من الميزانيات يدفع الدولة مرغمة للجوء إلى الاستدانة والقروض من البنوك الدولية والصناديق وبفوائد كبيرة تتضاعف عند عدم سدادها في الوقت المحدد وأحياناً كثيرة ما تفوق الفوائد وفوائد الفوائد قيمة القرض نفسه ، ما يدفع الحكومة مجبرة إلى توليد دوافع داخلية ومصادر مستدامة للتنمية ، والعمل على صياغة استراتجيات وطنية للتنمية الاقتصادية بعيدة المدى تنطلق من رؤية وطنية موضوعية وتنظر إلى المشكلة الاقتصادية باعتبارها سبباً ونتيجة لمعظم المشكلات التي نعاني منها ، اضافة الى توفير بيئة حاضنة للاستثمار وتعزيز مصادر النمو وتنويعها من خلال استغلال الموارد المتاحة وتلك غير المستغلة مع ضرورة البحث الجدي عن تنمية موارد إضافية ، وترشيد الإنفاق على المشاريع غير المنتجة ، واعتماد بعض السياسات التي تنمي المتاح من الموارد الطبيعية والسياحية ، وتعزيز مناخ الاستقرار لجذب رؤوس الأموال للمستثمرين ، اضافة لتعزيز إجراءات الرقابة الرسمية على المال العام ، وهذا لن يتأتى إلا عبر تفعيل دور هيئة مكافحة الفساد ، وضبط إجراءات التصرف في المال العام .
أنّ من أهم الإجراءات الموجبة هو استحداث أنموذج يؤسس جدوى اقتصادية تمكن من تجاوز المديونيات ، كأن تكون موازنة أداء أو موازنة برامج وأهداف ، وإصلاح أدوات وآليات إعدادها وتنفيذها ، ما يمثل خطوة مهمة يُفتَرضُ بالحكومة أن تقوم بها ، ضمنَ إجراءات وخطوات فاعلة ، فالموازنة العامة ما تزال موازنةَ بحاجة أن تكون موازنة بعيدة عن موازنةَ الأبواب والفصول والبنود والأنواع ، موازنة هي في حقيقة الأمر مصدراً رئيساً للإصلاح الاقتصادي ، ما يتطلب حاجة ماسة الى رقابة واضحة لتبقى أجهزة ومرافق الدولة مراقبة بشكل يمكنها من إدارة مواردها المالية بالشكل السليم ، بعيدا عن فساد المال العام ، وتنفيذ خطط وبرامج التنمية ، وهذا يتطلب من مؤسسات الدولة وأجهزتها الخدمية أن تكون أكثر فاعلية ، قادرة على تقديم الخدمات وحلّ مشاكل وقضايا الناس ، وهذا ما تتطلبه الحاجة إلى إحداث تنمية مستدامة ، لرفع لمستوى دخل الفرد وإدارة المال العام بكل همة ومسؤولية وما يحقق مفهوم الحوكمة والحكم الرشيد بمكوناتهما وأبعادهما المختلفة ، وهذا يقود الحكومة ان تتبنى تنفيذ خط فاعلة تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية التي تسعى وتخطط لتنفيذها بحيث تسهم في ترشيد الإنفاق العام ومحاصرة عجز الموازنة العامة وتسخير الدخل القومي لصالح برامج التنمية وتطوير القطاع الخدمي من خلال تنفيذ مشروعات فاعله في البنى التحتية الأساسية في عموم مناطق المملكة .
كما ويجب على الدوله استمرارية العمل على تحسين الادارة الضريبية ورفع كفاءة التحصيل الضريبي ، بالاستمرار في عدم رفع الايرادات من بند رفع الضرائب والرسوم التي تم الالتزام بعدم رفعها سابقاً من خلال الحكومة السابقة ، مع التشديد على التزام الحكومة بالعمل الجاد على ايجاد التوازن المطلوب بين الضرائب المباشرة المتمثلة بضريبة الدخل والضرائب غير المباشرة المتأتية من ضريبة المبيعات واثرها على ذوي الدخل المحدود ، ما يتطلب خطوات لاحقة تنعكس بشكل مباشر على معالجة هذا الامر.
كما وان حرص الحكومة في جانب النفقات الراسمالية يؤدي ان يكون فيها نمو كبير لما لذلك من اثر على تحريك الاقتصاد وبالتعاون مع القطاع الخاص لايجاد استثمارات حقيقية تولد فرص العمل على ارض الواقع والأخذ بمجمل المقترحات وان تكون جميع المشاريع الحكومية التي سيتم تنفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص تخفيضا للنفقات الحكومية ، فمن الأهمية بمكان التزام الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص وايجاد الية لتسهيل اقرار المشروعات الهامة وتنفيذها على مستوى البلديات التي تسهم في تحريك الاقتصاد الوطني في اطار مؤسسي لتسريع اجراءات تنفيذ المشاريع المتمثل بوحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تدرس المشاريع بالكامل وتقدمها للقطاع الخاص متضمنا دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
واخيراٍ وليس آخراً .. يجب ان تعي حكومتنا الموقرة ان الهاجس الاهم لدى المواطن وكل أسرة أردنية وضمن الظروف الحالية هو التشغيل وإيجاد فرص العمل ، وعلى الحكومة ان تتبنى الية لتمكين المؤسسات العامة والخاصة من استحداث فرص عمل حقيقية يستفيد منها الشباب في تأمين مستقبلهم ، كما ويجب العمل على تمويل القروض الحكومية حيث الحرص في الاساس ان يكون الاقتراض الداخلي ضمن حدود وسقوف حتى لا نزاحم القطاع الخاص على الاقتراض وهذا يتطلب تحقيق مؤشرات على المستوى الوطني تساعدنا في حال التوجه للاقتراض الخارجي بفوائد قروض باقل نسبة ممكنة.