الشرفات يكتب: الحكومةُ وكتّابُ الغضبِ المُصطنع
د.طلال طلب الشرفات
30-11-2022 02:35 PM
قد لا يروق هذا المقال لكثير من متابعي الشَّأن العام؛ لِترسُّخ ثقافة عامة أنتجتها حالة الإحباط العام من وطأة الظروف الاقتصادية، وتحديات الفقر والبطالة؛ بأنه لا يجوز إسناد الحكومة أو المؤسسات الوطنية رغم كلّ الجهد الحكومي في تنفيذ مسارات التحديث ولجم مستوى التضخم مقارنة مع دول مجاورة تسابق رجال المال والأعمال صوبها، واستثمار المليارات فيها، وأضحت اليوم ترزخ تحت تأثير تضخم عالٍ وصاعق، والسبب اقتراف تلك الدول سياسات إقتصادية انفعالية ومنفلتة من عقال الحكمة دون قراءة واعية، ومتعقلة للقرار الاستثماري وفق قرارات متسرعة لهؤلاء رغم متانة السياسة النقدية وثبات الاقتصاد الوطني.
كُتّابُ الغضب المُصطنع لا يُفوّتون فرصة لجلد الحكومة ومعظم المؤسسات العامة والسلطات الدستورية بسبب أو بدونه، وإذا كان النقد عاقلاً وعادلاً ومجرداً من الرغائبية ومحاولة تقويض الحكومة، ومعززاًبتقديم الحلول والبدائل فهو مباح ومتاح لكل من يحب الوطن ويقدر مصالحه العليا؛ والكلمة في الشأن العام أمانة لا يجوز استخدامها؛ لتقويض صمود الدولة في وجه التحديات والأخطار، أذ أن هناك ثمَّة فرق بين الغضب المشروع الذي يرصد أخطاء فعلية ويقدم النصيحة الأمينة بخصوصها وذاك الذي يُمارس ليّ ذراع الحكومة والمؤسسات؛ لتحقيق مصالح ذاتية أو إقصاء بعض العاملين في أروقة الحكم.
لعل القراءة الرغائبية لمضامين زيارة جلالة الملك إلى دار الرئاسة من كُتّاب عملوا في الحكومة وعرفوا تحدياتها الجسام مدانة وغير منصفة، وهي التي التقطتهم ذات يوم بضمير من أحضان بعض قوى المعارضة العدمية مسؤولين ورجال دولة؛ واليوم لا يجوز لهم أن يقدموا محاضرات في تزوير الوعي العام؛ سيّما وأن مضمون التوجيهات الملكية واضحة، وتؤشر بحكمة وحزم ووعي لقواعد الثواب والعقاب في مواقع المسؤولية العامة. تلك القراءة تمثل مغادرة البعض لمساحات رجال الدولة إلى ضيق مفهوم المسؤول السابق؛ إذا تأخر استدعاؤهم إلى مواقع القرار، أو تم اختيار نظرائهم أو أقرانهم دونهم.
الانحياز للدولة يكون بالوعي، واتساع فضاءات الضمير الوطني؛ بعيداً عن حسابات المصلحة والضِّد، والوطن لا ينقصهُ تحديات ومؤامرات اكثر من تلك القادمة من الخارج ورواد السفارات، وتجار التمويل والرصد الأجنبي بعناوين هي أبعد ما تكون عن الوطنية، وتمكين المرأة، والشباب، وحماية الطفل وحقوق الإنسان، وتلك مخاطر لا ينقصها العبث بالمزاج العام، وتوتير الناس؛ لتقويض صمود الدولة وصمت الضرورة؛ خدمة للوطن وشعبه ومصالحه العليا، ولم يعد محتملاً قبول العبث من بعض الكُتَّاب الذين حسبوا أنفسهم على الدولة، واستمرأوا الوقيعة كلما غادروا السلطة ولو إلى حين.
للحكومة ناطق باسمها يدافع عن قراراتها وسياساتها، ولكنني أدافع عن مساحات الشَّرف الوطني بعدم جواز تقويض مصالح الدولة العليا، ومقتضيات الصمود في وجه التحديات، والتي تتصدى لها حكومة ما زالت تحظى بثقة ممثلي الشعب. فلا بد للكُتَّاب أن يدركوا بأنهم للدولة لا لأنفسهم ومصالحهم، وأنهم للموالاة الوطنية الواعية التي تقدم النصيحة بحكمة وصمت. وما يؤمل منهم آكبر من ذاك المأمول من المعارضة التي لها الحق عادة في السعي للوصول للحكومة وتنفيذ سياساتها وبرامجها دون الولوج -بالطبع- في ثوابت الوطن ومصالحه العليا التي لا تقبل التجزئة أو الانقسام.
عندما أقول كُتَّاب الغضب المصطنع فأنا أقصد كُتَّاب الموالاة، ومن يتجاوز ثوابت الوطن من المعارضة، ذلك أن الواجب الوطني يقتضي من كل هؤلاء كشف النُّخب المزيَّفة ممن يفتكون بعضد الدولة، وينخرون بمضامين هويتها، ويشعلون صراعاً خطيراً في توصيف وتوظيف مفاهيم الولاء الوطني، هؤلاء هم الأجدر بالتقريع والكشف، وليست مؤسسات الحكم التي لم تغادر بعد سنابل القمح والجِباه التي لفحتها الشمس الأردنية الشَّريفة.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.